لجأت جامعات المملكة إلى إقرار السنة التحضيرية على الطلاب المستجدين؛ لاستدراك ما ينقص المتخرجين في التعليم العام من معارف ومهارات في جوانب متعددة، وهو ما جعل بعضهم يُلقي بالمسؤولية على المعلم، بصفته المؤثر الأكبر في العملية التعليمية، وخصوصاً أن المناهج شهدت خلال الأعوام الأخيرة "نقلة تطويرية"، وهو ما يُحتم على المعلم الاجتهاد أكثر، حتى يتناسب أداؤه مع هذه النقلة. وطالب خبراء ومتخصصون بالإسراع إلى إقرار "رخصة المعلم" التي ستفرض على من يلتحق بالتعليم أن يطوّر نفسه، حتى لا يجد نفسه خارج الوزارة، إضافةً إلى إيجاد جهة تقويم متخصصة من خارج وزارة التربية والتعليم تعيد تقويم كافة مسؤولي الوزارة، ولا يبقى في موقعه إلاّ من يستحق، مشددين على أهمية العمل على تعزيز اتجاهات المعلمين والمعلمات الإيجابية نحو التعليم، إضافةً إلى ضرورة إصدار تنظيمات تساعد على تحقيق ذلك، مثل نظام المحاسبية والرخصة المهنية، وأهمية تجديدها الدوري، إلى جانب إطلاق سلسلة من الحوافز التشجيعية للمعلمين لتعزيز الإبداع لديهم، وتكريم المتميزين. "الرياض" تطرح الموضوع، وتلتقي المتخصصين، فكان هذا التحقيق. نقلة نوعية في البداية؛ كشف "د. فهد الشايع" أستاذ المناهج ومؤسس ومدير مركز التميز البحثي في تطوير تعليم العلوم والرياضيات بجامعة الملك سعود، عن ملامح مشروع تطوير مناهج الرياضيات والعلوم، الذي تنفذه وزارة التربية والتعليم مع شريك محلي وآخر عالمي، الذي يراه أحد أهم المشروعات التربوية المنفذة حالياًّ، مضيفاً أن المؤمل منه إحداث نقلة نوعية في تعليم الرياضيات والعلوم، متمنياً أن يحقق المشروع النجاح الذي تؤمله الوزارة والمجتمع. ورأى الأستاذ "عبدالله القرزعي" مساعد مدير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنين بمحافظة عنيزة، أن مشروعات تطوير المناهج سواء العلوم والرياضيات أو المناهج الأخرى، هي مشروعات نوعية ستسهم في تحسين مخرجات التعليم لدينا. وقال "د. سعد بن عبدالرحمن الناجم" أستاذ الإدارة التربوية والإعلام بجامعة الملك فيصل: إن التطوير المهني للمعلم يأخذ عدة مسارات، منها ما يتعلق بالتأهيل الأدائي، سواء كان ذلك في إدارة الصف، أو استراتيجيات التدريس، أو توصيل المعرفة للطالب والعلاقات الصفية، أو التأهيل التقويمي، أو الاتصال المنهجي الصفي وغير الصفي، مشدداً على أهمية امتلاك المعلم ثقافة عامة، تساعده على ربط مادته بالمواد الأخرى وكذلك المجتمع المحيط. تطوير مهني وأوضح "د. الناجم" أن المعلم يتفاجأ أن المادة العلمية التي يدرسها لتلاميذه لم يتعلمها في الجامعة، معيداً ذلك للقطيعة بين مراكز الإعداد في الجامعات ووزارة التربية والتعليم، مشدداً على أهمية العناية بالتطوير المهني للمعلم، لكونه أحد أهم عوامل نجاح أي مشروع تربوي، فهو المنفذ الحقيقي لأغلب المشروعات التطويرية، ومرد نجاحها إليه، وبالتالي يصبح تهيئة وتطوير المعلم ذات أولوية من تنفيذ أي مشروع تربوي. وذكر "القرزعي" أن الجهود المبذولة في جانب التطوير المهني للمعلمين والمعلمات تحتاج إلى مزيد من المهارة على متطلبات تطبيق المناهج، حيث إن التدريب على تطبيقها لا يقتصر على أسلوب التدريب المباشر فقط، ويحتاج وضعه الحالي إلى مزيد من التطوير في الأساليب والوسائل والوسائط التقنية اللازمة؛ لإكساب المعلمين والمعلمات الكفايات والمهارات اللازمة لتطبيق المناهج وفق ما أراد لها واضعوها. تطبيق رخصة عمل كبير وطرح "د. الشايع" فكرة تبني مفهوم "التطوير القائم على المدرسة"، بحيث تصبح أساس التطوير ومصدره، مطالباً بتقليل المركزية، سواء في بناء أو تنفيذ البرامج التربوية، مؤملاً بالانتقال من مفهوم "التدريب والتطوير المهني" الذي يوحي باعتماد المعلم على غيره في مسؤولية تطويره، إلى مفهوم "التطور المهني" الذي يعد المعلم مسؤولاً عن نفسه في تطوير أدائه ومعرفة احتياجاته التدريبية، وبالتالي يكون اختيار البرامج التطويرية وتنفيذها من خلال المدرسة ذاتها لا من خلال الإدارة العليا، مشيراً إلى أن هذا التوجه لاشك أنه يحتاج إلى عمل كبير في تهيئة البيئة التعليمية في المدارس، وكذلك تطوير الخبرات في داخل المدارس. وشاركه الرأي "د. الناجم" الذي يأخذ على الوزارة انتداب المسؤولين ومديري التعليم لحضور الدورات في الخارج، مع إهمال المعلمين الذين هم الأولى بالتدريب والتعرف على تجارب متطورة؛ مبيناً أنه لو وجدت الشجاعة للاعتراف بالأخطاء ومواجهتها عملياً، لحلّت كثيرا من الإشكالات، مؤكداً أنه لو قوّمنا البرامج المعدة للتدريب لوجدنا أنها ضعيفة ولا تحقق أهدافها. ننتظر إقرار «رخصة المعلم» لحفز وتقويم الأداء نحو الأفضل وفرز المتمكنين عن غيرهم رخصة المعلم وأشار "القرزعي" إلى مخصصات التدريب، قائلاً: بعد توحيد إدارات التربية والتعليم بنين وبنات، كان من المتوقع تعزيز بند التدريب بشكل كبير، إلاّ أن ما حدث هو العكس، حيث أضحى البند لا يفي بطموح الإدارات، فما بالك بتوجهات الوزارة ومشروعاتها التطويرية، مضيفاً أن الرؤية حول صرف جزء من بند التدريب للمدارس وفق الميزانية التشغيلية لم تتضح بعد، مؤكداً أن بيوت الخبرة الأهلية والتي تُعد شريك رئيس لتقديم التدريب، تحتاج إلى إعادة نظر فيما تقدمه، مقارنةً بما تتقاضاه من مبالغ. وأوضح "د. الناجم" أنه من أهم التوصيات للنجاح في جانب تطوير أداء الوزارة والقائمين على التعليم والمعلمين، هو الإسراع في إقرار "رخصة المعلم"، التي ستفرض على من يلتحق بالتعليم أن يطوّر نفسه، حتى لا يجد نفسه خارج الوزارة، إضافةً إلى إيجاد جهة تقويم متخصصة من خارج وزارة التربية والتعليم تعيد تقويم كافة مسؤولي الوزارة، ولا يبقى في موقعه إلاّ من يستحق، مع منح الاعتماد الأكاديمي لمسؤولي الوزارة وأقسامها المعنية بالمناهج والإشراف التربوي كمرحلة أولى، وبعدها مديرو التعليم والمشرفون التربويون ومديرو المدارس والمعلمون. مسؤولية ذاتية وشدد "د. الشايع" على أهمية العمل على تعزيز اتجاهات المعلمين والمعلمات الإيجابية نحو التعليم، مع تعزيز المسؤولية الذاتية للمعلم، إضافةً إلى ضرورة إصدار تنظيمات تساعد على تحقيق ذلك، مثل نظام المحاسبية والرخصة المهنية، وأهمية تجديدها الدوري، إلى جانب اطلاق سلسلة من الحوافز التشجيعية للمعلمين لتعزيز الإبداع لديهم، وتكريم المتميزين. وذكر "د. الناجم" مفارقة عجيبة، تمثلت في تحقيق معلمين ومعلمات من المملكة تميزاً في الأداء في دولة قطر بعد التحاقهم بوزارة التربية والتعليم القطرية، مضيفاً أن بعضهم رسب في اختبار المهارات لدينا، وبالتالي كانت النتيجة عدم الأهلية للتعليم، وهذا يجعلنا نفكر جيداًّ في صدق اختبارات القدرات!، موضحاً تجربة قطر في تطوير التعليم، وأنها تعطي ميزانية المدرسة الحكومية للقطاع الخاص حسب أعداد الطلاب، وله حرية التصرف في التوظيف والفصل، وكذلك إضافة المقررات التي يرى أهميتها حسب رؤية المالك، مع الحفاظ على الخط العام لتوجه الدولة في التعليم، ويخضع كل ذلك إلى لجان وزارية تتابع أدائهم وتقويمهم. أمير حائل وتناول الأمير سعود بن عبدالمحسن، أمير منطقة حائل، في كلمة ألقاها في حفل جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي، واقع التعليم، مستعرضاً تقريرا صادرا عن المركز الوطني للقياس يذكر أن الطلبة الذين يحصلون على نسبة (90%) في اختبارات القياس يقلون في مجموعهم عن (2%) من المجموع العام حسب المنحى الاعتدالي، وأن (80%) من هذه النسبة المتدنية أصلاً من الطلبة الأجانب، كما تشير تصنيفات مادة العلوم والرياضيات في اختبار (TIMSS) للصف الثامن أي الثاني المتوسط أنها تقع في هامش يقل عن (10%)، مبيناً أن القياسات العالمية تؤكد أن (3%) من الطلاب فقط يعادل أداؤهم المتوسط المعياري العالمي في مادة الرياضيات. وتظهر اختبارات أرامكو أن (84%) من خريجي المدارس الثانوية الذين يتقدمون للشركة يقعون في مستوياتٍ مكافئة للصف الثاني المتوسط، ذاكراً تقرير البنك الدولي الذي وضع المملكة في مرتبة متدنية على مستوى العالم العربي، وتحديداً المرتبة (17)، وهي مرتبة لا تليق بمستوى اهتمام المملكة ودرجة إنفاقها على هذا القطاع، متسائلاً: أليست هذه النتائج مخيبة للآمال؟، خاصةً إذا ما نظرنا إلى الإنفاق الهائل الذي تعتمده الدولة، حيث يذهب ربع الميزانية على الأقل لمصلحة قطاع التعليم، مبيناً أنه أطلع على آخر إحصائية تكشف عن متوسط ما ينفق على الطالب والذي يبلغ (19600) ريال، وهو ما يزيد على ما ينفق على الطالب في كثير من دول العالم التي تقع اليوم على رأس هرم النظم التعليمية عالية الأداء، مؤكداً أن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل. د. فهد الشايع د. سعد الناجم عبدالله القرزعي