سوف أقيم بعد بضعة أيام حفل استقبال في كل من الرياضوجدة والخبر احتفاء بميلاد صاحبة الجلالة الملكة اليزابيث الثانية وهو تقليد قديم في المملكة المتحدة يشبه احتفال المملكة العربية السعودية باليوم الوطني في 23 سبتمبر من كل عام . . يعتبر الاحتفال لهذا العام مميزا جدا إذ يصادف اليوبيل الماسي لتولي الملكة الحكم في البلاد ، أي مرور 6. عاما على توليها عرش المملكة المتحدة. مثل هذه المناسبات لا تتكرر كثيرا فهذه هي المرة الثانية في تاريخ المملكة المتحدة ودول رابطة الكومنولث التي يحتفل فيها عاهل باليوبيل الماسي. وبالنسبة لمعظم البريطانيين فقد كانت الملكة اليزابيث الثانية على عرش بريطانيا طيلة حياتهم تجسد تقاليدهم وقيمتهم خلال مراحل الانتصارات والمآسي والحروب والسلام . وبالرغم من فترة حكمها الطويلة والمرموقة ، لم تكن الملكة اليزابيث الثانية الملكة الاولى التي حكمت خلال عهد شهد الكثير من التغيير والتحديات الكبيرة للمملكة المتحدة. فالملكة اليزابيث الأولى حكمت في فترة كانت تعتبر " العصر الذهبي" لبريطانيا حيث شهدت البلاد في عهدها نهضة ثقافية وأدبية وبروز شعراء وكتّاب مسرحيين عظام في التاريخ مثل وليام شكسبير وكريستوفر مارلو . وكانت تلك الحقبة تمثل المستكشفين والمغامرين مثل السير فرانسيس دريك والسير والتر راليه وغيرهما ممن فتنتهم الاكتشافات الجديدة والرغبة في معرفة المزيد عن العالم. كما حكمت الملكة فيكتوريا أطول مدة في التاريخ بوصفها امرأة إذ دام حكمها 63 عاما و7 اشهر واتسمت هذه المدة بحدوث تغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. وقد شهد عهدها الكثير من الإنجازات والخطوات العظيمة في المجالات الصناعية والثقافية والسياسية والعلمية والعسكرية. وكانت تلك الحقبة ، بالطبع ، التي تحدث الناس خلالها عن "الامبراطورية البريطانية" . ومهما كانت أحكام التاريخ النهائية عن تلك الحقبة ، إلا أنها كانت تؤكد بأن رجال ونساء بلدي جابوا أرجاء المعمورة واطلعوا على ثراء الثقافات الاخرى. لكن ما علاقة الحديث عن التاريخ والملوك بالوقت الراهن وبتحديات العالم المعاصر التي تواجه بلدان العالم ؟ بالنسبة لي ، أعتقد انه بالإمكان استخلاص عبرتين : العبرة الأولى انه يمكن للملك او الملكة ، لاسيما اذا كان ملكا عظيما ، أن يوفر الطمأنينة والاستقرار لشعبه في عالم مضطرب ومتغير ويكون بذلك رمزا للهوية والعزة الوطنية . العبرة الثانية : انه بوسع القادة العظام ، سواء اكانوا ملوكا أو ملكات أو رؤساء دول أو رؤساء وزراء أن يقودوا شعوبهم إلى تحقيق المجد والرفعة رغم فترات التغيير والفتن والاضطرابات الماضية والراهنة على مر العصور . ولطالما تشتد الحاجة الى قيادة حكيمة في مثل تلك الظروف . وبينما يحتفل الرجال والنساء في بريطانيا باليوبيل الماسي للملكة اليزابيث الثانية، فإنهم يدركون تماماً بأنها ستبقى رمزا قويا وراسخا في فترة كانت فيها بريطانيا تتكيف مع موجة من التغيرات الهائلة التي اكتسحت العالم الحديث - وذلك من اجل اعادة اكتشاف نفسها. تلك هي الفترة التي اختصت بالكومنولث وليس بالامبراطورية البريطانية، وبعضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، كما انها فترة الانفتاح الاقتصادي حيث اصبحت بريطانيا مركزا للتجارة والاستثمار. وكونها مركزاً للإشعاع الثقافي، فان بريطانيا ترحب بمن يأتي اليها من شتى بقاع الأرض سيان جاؤوا للسياحة والاستمتاعأو للدراسة أو للعمل. سوف تشهد بريطانيا خلال الاسابيع القادمة العديد من الفعاليات المتعلقة بهذه المناسبة السعيدة التي ستتوج باحتفال كبير باليوبيل الماسي في الفترة ما بين 2-5 يونية 2012. وتشتمل هذه الفعاليات على مهرجان ضخم في حديقة قلعة ويندسور حيث يتجمع آلاف الراقصين والموسيقيين والممثلين من جميع انحاء العالم. كما ستقوم هيئة الاذاعة البريطانية بترتيب حفل موسيقي خاص بهذه المناسبة في حديقة قصر باكينجهام . كما يشتمل المهرجان على تجمع ألف قارب في نهر التايمز على متنها اكثر من ثلاثين الف شخص يحملون الأعلام. أعلم تماماً ان شعب المملكة العربية السعودية يتفهم أهمية مثل هذه المناسبات التي يعبرون فيها عن شعورهم تجاه قيادتهم، وسوف أقوم أيضا خلال حفل استقبال العيد الوطني بالاحتفال بأواصر الصداقة القوية بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، متمنياً أن تبقى هذه الروابط أبد الدهر. * السفير البريطاني لدى المملكة