كلما توسعت دائرة العلم والمعرفة والوعي بمخاطر المخدرات وآثارها القاتلة في صفوف المجتمع، اقتربنا من مفهوم الأمن الاجتماعي .. فهو ليس وصفة أو مجموعة من الإجراءات ، وإنما هو عملية متكاملة ، تبدأ بزيادة العلم والمعرفة والوعي ، وتنتهي بتحمل المسؤولية الوطنية المتجهة إلى بناء المجتمع ، وتقوية أسسه وسد ثغراته رصدت وسائل الإعلام المحلية في الآونة الأخيرة ، العديد من القصص والأحداث ، التي تكشف عن خلل اجتماعي خطير يعاني منه واقعنا الاجتماعي .. إذ تعددت حالات الانتحار والانحرافات الاجتماعية والسلوكية والتي تأخذ أشكالا وصيغاً مختلفة .. فالانتحار مثلا ليس ظاهرة فردية بحتة ، وإنما ينم عن خلل في المسيرة الاجتماعية ، أفرز هذا الخلل هذا الخيار البائس بالنسبة إلى البعض .. كما أن استخدام القوة في إنهاء بعض المشكلات الأسرية أو الاجتماعية أو المالية ، يعد تحولا اجتماعيا كبيرا في طريقة التعامل مع هذه النوعية من المشكلات والأزمات .. وعلى ضوء هذه الوقائع ، من الضروري أن تتدارس النخب الوطنية من مختلف مواقعها مسألة الأمن الاجتماعي .. لأن الأمن الاجتماعي ، لا يصنع بالتوجيهات الأخلاقية والمواعظ الاجتماعية فحسب .. وإنما هو بحاجة إلى مشروع اجتماعي متكامل ، ينهي جذور الظواهر الاجتماعية السيئة ، ويؤسس الظرف الاجتماعي - الإنساني المناسب لعملية الأمن الاجتماعي ومتطلباته النظرية والعملية .. وبالتالي فإن المنهج الذي ينبغي اتباعه لتحقيق الأمن الاجتماعي هو منهج مركب ، يستوعب التفاعل الموضوعي بين مختلف مكونات الظاهرة المجتمعية .. لهذا ينبغي أن نهتم جميعا بموضوعات الأمن الاجتماعي ، وإفشال كل المخططات التي يحاول من خلالها شياطين الإنس ، ترويج الفساد والانحراف في ربوع وطننا العزيز .. وإن اللامبالاة الاجتماعية تجاه الانحرافات التي يضعها أعداء المجتمع ، عبر ترويج السموم البيضاء ، تعد تقصيرا حقيقيا بحق الوطن والمواطنين ، وتضحية بمستقبل الأجيال .. إن السلوك الذي يتبعه أفراد عصابات المخدرات ، التي يتم اكتشافها وإلقاء القبض على أفرادها من قبل الجهات المختصة يكشف لنا بوضوح عن أن شياطين الإنس يسعون بكل إمكاناتهم لترويج المفاسد وتخريب شبابنا ، ولا يفرقون في ذلك بين عائلة وأخرى، وشاب وآخر .. وإنما يعملون على ترويج السموم البيضاء ، غير عابئين بكل الآثار المترتبة على انتشار هذه السموم في مجتمعنا .. إن هذه المسألة ، تؤكد ضرورة العمل الجاد من قبل كل المواطنين ، على إفشال هذه المخططات الجهنمية ، والعناية بالشباب توعية وتثقيفا ، حتى لا يكونوا لقمة سائغة لأعداء الوطن ومروجي المفاسد .. اجتثاث من الجذور : وفي هذا الإطار ، ينبغي الالتفات إلى حقيقة أساسية ، وهي أن التساهل مع مروجي المخدرات والسموم البيضاء ، لا يؤدي إلى القضاء على هذه السموم ، وإنما تجعلهم يبحثون عن أساليب أكثر أماناً لترويج سمومهم .. لذلك فإننا آباء وأمهات ، مؤسسات رسمية وغير رسمية ، بحاجة لأن نبذل الجهود الكبيرة ، من أجل البحث عن الجذور التي تمد هذه العصابات بالسموم ، والعمل على اجتثاثها .. وإن ملاحقة المنابع الأصلية ، التي تروج هذه السموم في ربوع وطننا ، مسؤولية الجميع .. وذلك عبر أن يتحول كل مواطن إلى عين ساهرة على أمن الوطن والمواطنين .. ولا شك أن إحساس كل مواطن ، بأنه مسؤول عن هذه المسألة ، سيقدمنا خطوات ، في طريق القضاء على السموم البيضاء ومروجيها .. الأسرة والدور الفاعل : وفي هذا الصدد أيضا ، تتحمل كل أسرة ، مسؤولية عظيمة في هذا المجال .. وذلك عبر العناية بأبنائها ، والاهتمام بالبعد التربوي والأخلاقي ، ومراقبة سلوكهم وتصرفاتهم .. وإننا لو درسنا حالات الأفراد ، الذين تورطوا في هذه الجرائم والانحرافات ، سنكتشف أن غياب دور الأسرة في التربية والمراقبة ، هو أحد العوامل الرئيسية ، التي أدت أو شجعت هؤلاء على الانحراف والدخول في عالم الإجرام والجريمة .. لهذا ينبغي أن تهتم كل أسرة بهذه المسألة .. فكما تهتم بلباس أبنائها ، ينبغي أن تهتم بتربيتهم وتأهيلهم النفسي والأخلاقي.. ضرورة التوازن والطمأنينة النفسية : وإن الأمن الاجتماعي ، هو وليد مستوى التوازن والطمأنينة التي يشعر بها الإنسان ، وفي تكامل العلاقات الداخلية وسلامتها .. وقد حاول (دور كهايم) في كتابه (تقسيم العمل الاجتماعي) ( 1893 م) ، أن يدرس الظواهر الاجتماعية الموجودة في عصره .. فوصل إلى نتيجة مفادها : أن تقسيم العمل المفرط ، الذي يسير نحو التعقيد المتزايد ، ربما يقود في ظروف مجتمعية خاصة ، إلى أن يفقد العمال مثلا معنى علاقاتهم بالآخرين ، ويقود هذا إلى انحطاط وتدهور العلاقات الاجتماعية .. وقد وصف (دور كهايم) هذه الحالة بالأنومية والمجتمع الأنومي ، وهو مصطلح استخدمه (دور كهايم) ليصف حالة مجتمعية حزينة يرثى لها .. فهو مجتمع مفكك العلاقة ، لا تتناسب فيه مصالح الأفراد ، ويفتقد ضبط أجزائه ، وربطها معا في كلّ متماسك .. وينبغي أن ندرك جميعا ، أن اتكاء نظرية الأمن الاجتماعي ، على مجموعة من الإجراءات فقط ، لا يؤدي إلى تحقيق الأمن ، بل يؤدي إلى ازدواجية في شخصية الإنسان ، تدفعه باتجاه البحث عن أساليب ملتوية لاختراق جدار الأمن الاجتماعي .. لذلك فإن توفر حالة التوازن والطمأنينة النفسية ، سيؤدي إلى إشراك قاعدة اجتماعية واسعة ، ترى من مهمتها تحقيق الأمن الاجتماعي والمحافظة عليه.. وبالتالي فإن الأمن الاجتماعي ، ليس مهمة فئة أو شريحة محددة فحسب .. وإنما هو من مهمة الجميع واختصاصهم .. وهذه المسؤولية الجمعية ، لإنجاز مقولة الأمن الاجتماعي ، تستدعي تنمية قدرات المجتمع وتعميم المعرفة ، وصناعة الوعي ، التي هي عوامل ضرورية للأمن الاجتماعي .. فكلما توسعت دائرة العلم والمعرفة والوعي بمخاطر المخدرات وآثارها القاتلة في صفوف المجتمع ، اقتربنا من مفهوم الأمن الاجتماعي .. فهو ليس وصفة أو مجموعة من الإجراءات ، وإنما هو عملية متكاملة ، تبدأ بزيادة العلم والمعرفة والوعي ، وتنتهي بتحمل المسؤولية الوطنية المتجهة إلى بناء المجتمع ، وتقوية أسسه وسد ثغراته ، والامتناع عن استخدام أو الاقتراب من كل مفردة وعمل يهدد أمننا الاجتماعي .. وإن القبض من قبل رجال الأمن ، على عصابات السموم البيضاء ، هو الخطوة الأولى في طريق طويل ، ينبغي لكل مواطن أن يتحمل مسؤوليته الوطنية في هذا السبيل ، لإكمال الطريق ، وتحقيق الأمن الشامل في ربوع الوطن العزيز .. وذلك عبر اليقظة الدائمة ، ضد مؤامرات شياطين الإنس ، ومخططاتهم الإجرامية ، التي تهدف إلى تدمير الإنسان وإسقاطه في الهاوية والحضيض .. وتحصين النفس ، وتوفير مقومات الدفاع الذاتية ، عبر العلم والثقافة والوعي بمخاطر هذه السموم وآثارها التدميرية على حياة الإنسان الفرد والمجتمع .. وإننا مطالبون (كلّ من خندقه الوطني) ، إلى العمل الجاد على بلورة مشروع وطني متكامل ، يزرع الوعي في عقول أبناء المجتمع ، ويحصنهم ضد الانحرافات والأخطار .. ويطلق مشروعا توعويا شاملا ، يتجه إلى كل فئات المجتمع ، من أجل توفير مقومات الأمن الاجتماعي الشامل ..