«لا ترفع سماعة الهاتف»، هكذا تنبه والدة يوسف طفلها الذي لا ينتبه إلى ما يبوح به للمتصلين إذا وجد والدته مشغولة ولم يعر الموجودون اهتمامهم للرنين. يوسف لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد، ولكن «براءته» تجعله يفشي أسرار المنزل لبعض المتصلين، حينما يستغلون عفويته في الكلام، مستفسرين عن بعض الأمور التي لا يجد فيها يوسف حرجاً، وهو يمررها إليهم ببساطة. وهو الأمر الذي يجعل والدته تستشيط غضباً فتعاقبه. ولأن أسرار المنزل تعتبر من الأمور الممنوع نشرها، على الأهل أن يتحملوا براءة طفلهم وتلقائيته، وبخاصة حين يفشي خصوصية ما تتعلق بالوالدين، أو أن يبوح بحادثة وقعت في المنزل ولا يجوز للآخرين معرفتها. أم عبدالعزيز تخجل كثيراً من إفشاء عبدالعزيز (8 سنوات) أسرار المنزل، سواء عبر الهاتف أم أثناء وجود ضيوف، أو لأقرانه في المدرسة، وتقول: «أحتار حين يفشي طفلي أموراً خصوصية، على رغم أنني أعلم تماماً أنه، لصغر سنه، لا يكترث بما يمكن أن يُقال أو لا يُقال». رقية تقول: «تُدرك الأمهات أن أطفالهن لا يقصدون الفضح أو خلق مشاكل حين يفشون بعض الأسرار، فنجدهن إما يتحفظن ويتكتمن، وإما يلمن أطفالهن ويعاقبنهم، ومع ذلك لا يستطعن إغلاق أفواه أطفالهن ويمنعنهم من الكلام!». وتفسر الاختصاصية الاجتماعية، منال سعيد، إفشاء الطفل أسرار المنزل لأسباب مختلفة أبرزها شعوره بالنقص أو رغبته في أن يكون محط الانتباه والإعجاب أو كي يحصل على العطف والرعاية، مؤكدة أن الطفل يتخلّص من هذه العادة عندما يصل إلى مستوى يميّز فيه بين الحقيقة والخيال وهي مرحلة وستنقضي. وتستدرك قائلة: «ولكن، في المقابل، يأبى بعض الأطفال التفوّه بأي كلمة عن تفاصيل حياتهم في المنزل أمام الغرباء حتى عندما يسألونهم عنها. وهذه إشارة إلى ضرورة عدم الاستهانة بذكاء الطفل، إذ أن ما ينقصه هو حسن التوجيه». وتنصح الاختصاصية الاجتماعية بتعليم الأم طفلها «أن إفشاء أسرار المنزل من الأمور غير المستحبة والتي ينزعج منها الناس، وهناك أحاديث أخرى يمكن أن يجذب من خلالها الآخرين، كما عليها أن تشرح الأم لطفلها بهدوء أهمية الخصوصية ومساوئ البوح بأسرار العائلة حتى للأقرباء والأصدقاء. ومع مرور الوقت، سيدرك معنى خصوصية المنزل ومعنى السر». وترى أن على الأم أن تبحث في أسباب إفشاء الصغير الأسرار، «وهل يفعل ذلك للحصول على الثناء والانتباه، وجعله يشعر بمكانته في المنزل، وبأنه شخص يحترم أفراد أسرته رغباته ومتطلباته... وعندها، عليها أن تمنحه مزيداً من الثناء والتقدير لنفسه ولما يقوم به. أما إذا كان السبب هو حماية للنفس، فعليها ألا تقسو عليه وأن تكافئه إذا التزم بعدم إفشاء الأسرار الخاصة بالمنزل، على أن تتجنب العنف معه ولا تبالغ في العقاب وإيقاف أسلوب اللوم والانتقاد». وتستطرد سعيد: «على الوالدين أيضاً الالتزام بعدم إفشاء أسرار الآخرين أمامه، لأنه قد يعمد إلى ذلك من باب التقليد، كما يمكن للوالدين الاستعانة بالحكايات وقصص ما قبل النوم والتطرق الى حوادث وقصص مشابهة، لغرس هذا المفهوم لدى الطفل من خلال غرس الآداب الدينية والأخلاق الحسنة فيه».