أمريكا جدلية العصر بنفوذها في كل الميادين، والقوة المطلقة التي تقودها تيارات سياسية تنتمي إلى عدة عوالم تاريخية، ومعاصرة، وهذا التنوع في الفكر، والأجناس، والبيئة المفتوحة لأي منجز علمي يتم تطبيقه بسرعة اكتشافه، وضع أمريكا على قاعدة الأمبراطوريات العظمى بإدارة العالم بلا احتلال كلي، وإنما بسلطة المال، وإحداث التغييرات بمختلف الأساليب.. المنطقة العربية ارتطمت بأمريكا بعد زوال نفوذ الأوروبيين، وكانت في البداية تحمل رسالة تحرير العالم وفق منطق المؤسسين العظام لدولتها، لكنها وجدت في الحربين العالميتين وبروز السوفيات كقوة موازية، أن بدأت (البراغماتية) تسيطر على العقل السياسي، وكانت منطقتنا إحدى دوائر التوتر، والسباق على احتواء الدول، بالأيدلوجيا الماركسية، أو نقيضها المدرسة الغربية التي ترفع شعار الحرية، وقد كنا ضحايا أنفسنا حين تصرفت بعض الدول، وكأنها في ميزان الدول القادرة على تغيير العالم، فكان أول صدام مع حروب إسرائيل التي جعلت أمريكا، من خلال تلك البوابات المفتوحة، أن تكون حليفاً لإسرائيل، باعتبارها القاعدة العسكرية والسياسية في وجه المد الشيوعي، ثم القومي، وأخيراً ما تدعي أنه التطرف الإسلامي.. طروحات أمريكا للمنطقة بدأت مع قضية الفراغ الذي رفعه أيزنهاور لسده بالقواعد التي تطوق الاتحاد السوفياتي، وانتهت مع آخر مشروع للرئيس بوش بالشرق الأوسط الكبير، واعتماد مبدأ تعميم الديمقراطية، والتحرر من العديد من القوانين، والنظم، بما فيها السياسية، والاجتماعية والتربوية، غير أن هذا الفكر بدأ يدخل دورة المراجعة، وخاصة حين أصبح العراق مأزقاً حاداً في التوجه الأمريكي، وهذا التطور لم يأت نتيجة واقع عربي متغير، بل بسياسات أمريكية شعرت أنها خاطئة، ومن هنا برز دور كوندوليزا رايس كأول وزيرة خارجية من جذور أفريقية سوداء، ويبدوا أنها من خلال ثقافتها الواسعة، وتحليلاتها للنظرية الماركسية، ومحاربتها للشيوعية رأت أن التحولات وفق مضامين شمولية، سواء انتهجت الأيدلوجيا، كطريق، أو القوة العسكرية، والاقتصادية كوسيلتي حرب، أن الدبلوماسية المرنة هي خط الاعتدال، والضغط معاً، ومن هنا أصبحت المنطقة العربية في بؤرة الاهتمام لأنها ميدان الصراع، ومفرخة الصدام مع الإسلامي السياسي، والمؤدلج بقوة التطرف.. لا ندري إن كان التغيير في التوجه الأمريكي سيكون حاسماً في حل قضايا الصراع مع إسرائيل، والتوجه إلى إعمار المنطقة وفق مشروع توضع قواعده على التكافؤ بين الدول، ومساعدة الدول الغنية، من منطق مصالح العرب والعالم الخارجي، ليمكن سد كل الفجوات، وهي فرصة قد تلتقي حولها الآراء ويبقى العمل للتنفيذ..