ورد في كتاب (البصائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي أن هارون الرشيد قال لأعرابي من قوم سادهم هشام بن عروة: - ِبَم بلغ فيكم هشام بن عروة هذه المنزلة؟ فقال الأعرابي: - بلغها يا أمير المؤمنين بحلمه عن سفيهنا، وحمله عن ضعيفنا.. لا منّان إذا وهب.. ولا حقود إذا غضب.. رحب الجنان.. سمح البنان.. عذب اللسان.. فقال الرشيد: - لو كانت هذه الخصال في كلبٍ لساد..!! قلت: لا شك أن الأعرابي ذكر أجمل وأنبل الصفات في سيدهم هذا بأفصح لسان وأعذب بيان مما جعل الرشيد يندهش ويقول ذلك القول.. إن صحت الرواية! فهل قول الرشيد (لو كانت هذه الخصال في كلب لساد..) مدح لهشام بن عروة أم ذم؟! لا شك أن ذكر الكلب من أكره ما لدى العربي.. لكننا نرى أن هارون الرشيد قد مدح الرجل ولم يذمه - وإن بدا الذم مكشراً عن أنيابه).. لماذا؟.. لأن هناك مفهوماً لمنطوق الكلام.. (لو كانت هذه الخصال في كلب لساد فكيف وهي في هشام بن عروة ذي الحسب والنسب والمقام الرفيع) ثم إن في قول الرشيد انبهاراً باجتماع هذه الخصال الجميلة في شخص واحد - ومعه حق - فمن الصعب جمع كل تلك المحاسن في فرد إلا ما ندر، لذلك نطق الخليفة بسرعة وبما يبدو أنه مبالغة مع أنه حقيقة، فإن اجتماع تلك الخصال في إنسان تجعله سيداً حتى لو يكن رئيس قومه، ومهما كان أصله وفصله، فإن جمال الأخلاق المتكامل يذهل ويعجب ويجعل صاحبها محبوبا تضرب به الأمثال.