"الهوية الوطنية" تمثّل أهم وثيقة رسمية، تمنح حاملها كل الامتيازات المتاحة للمواطن، وتسهّل له كل الإجراءات المعتادة، كما أنها تُعد الضامن للجهات الرسمية والخدمية كتعريف رسمي، يمكن من خلاله فتح الحسابات البنكية، وكذا الحصول على السجلات التجارية، ووثائق السفر، إضافةً إلى إجراء مصادقات عقود البيع والشراء، والخدمات الهاتفية، إلى جانب التمتع بكافة الخدمات العامة والخاصة. وعلى الرغم من أهمية "الهوية الوطنية" في تسهيل أمور المواطن في جميع متطلبات حياته، إلاّ أنه يلاحظ في الآونة الأخيرة استخفاف بعض المواطنين بهذه الوثيقة، من خلال رهنها في "محطات الوقود" و"البقالات" و"الأسواق التجارية" مقابل مبالغ تافهة، وبالتالي تركها في أيدٍ غير أمينة، مما قد يؤدي إلى استغلالها في ارتكاب جرائم ومخالفات متنوعة؛ ك"التزوير" أو "التزييف"، أو "بيع المخدرات"، أو "القتل". كيف تترك إثباتك عند عامل «محطة» أو بقالة ك «ضامن» على مبالغ تافهة؟ ويمنع النظام كل تهاون بهذه البطاقات، بل ولا يقبل التبريرات مهما كان سببها، لذا فإن الوضع العام وفي كل الأحوال يتطلب أن يعي كل شخص أهمية هذه الوثيقة الرسمية الهامة، وأن لا يجعل منها مدعاة لإحراج نفسه أمام الجهات الرسمية وأمام المجتمع، ولا يقف منع رهن "الهوية الوطنية" عند صاحبها، بل يمتد إلى تحميل المسؤولية للجهة التي تقبل بالرهن، وهناك من العقوبات ما يمكن أن يكون رادعاً لاقتراف مثل هذا العمل. "الرياض" تطرح الموضوع، وتناقشه، فكان هذا التحقيق. التساهل قد يورطك في جرائم «تزوير» أو «تزييف» أو «مخدرات» أو «قتل»! محاذير أمنية في البداية قال "د.يوسف أحمد الرميح" -أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم-: لقد انتشرت ظاهرة جديدة في المجتمع، وهي رهن "الهوية الوطنية"، مضيفاً أن لذلك محاذير أمنية كثيرة، وقد يُستغل ذلك في أعمال منحرفة أو إجرامية أو حتى إرهابية، مبيناً أنه يعتمد الكثير من المجرمين والمنحرفين على استخدام بطاقات غيرهم لإخفاء أنفسهم وشخصياتهم؛ لعلمهم أنهم مطاردون من الجهات الأمنية، مشيراً إلى أنه يسمع أن هناك سوقاً سوداء لبعض العمالة الأجنبية، للحصول على بطاقات هوية وطنية، تسهل مهامهم في الحصول على تسهيلات، أو الدخول في أماكن يمنع الدخول فيها على غير المواطنين، ذاكراً أنه قد يعمد صاحب محطة الوقود أو البقالة على بيع هذه البطاقات لمن يدفع أكثر، وقد ينتهي بعضها في الجريمة والانحراف، موضحاً أنه شاع عند بعض المجرمين عند مغادرته مكان الجريمة، أن يرمي هوية أحد الأشخاص؛ ليوهم الجهات الأمنية أن صاحبها هو المجرم، مبيناً أن المجرم أو الإرهابي قد يستغل هذه البطاقات المتروكة في محطة الوقود أو البقالة في استئجار سيارة، أو غرفة في فندق، أو شراء جهاز جوال، أو استخراج شريحة هاتف، كذلك قد تستغل في سحب أموال من البنوك، أو كتابة اسم صاحب البطاقة على شيك مزور أصلاً، ولو حصل أن اكتشف لاحقاً فسوف يلاحق صاحب الهوية الأصلي. عامل «محطة بنزين» يستعرض وثائق مواطنين تركوها ولم يعودوا تبعات التهاون واقترح "د.الرميح" أن لا يُسمح للهوية أن تغيب عن العين، فقد تستخدم استخدامات منحرفة من قبل أجانب يعملون في جهات خدمية، حيث يعطيك هوية شخص يشبهك تظن أنها لك، وإذا اكتشفت الأمر قال لك: "آسف كان هذا خطأ غير مقصود"!، وإذا لم تكتشف باعها بأسعار عالية، لتتم من خلالها جريمة أو انحراف أو تزوير أو تزييف، أو بيع مخدرات، باسم المواطن الذي وضع ثقته في غير محلها، ناصحاً الجهات الأمنية بالتشديد على منع رهن وثائق اثبات الشخصية، من بطاقة الهوية الوطنية، أو رخصة القيادة، أو دفتر العائلة وغيرها، مهما كانت الأسباب والمبررات، مشيراً إلى أن هناك تجاوزات أكثر وأخطر، حيث إن الكثير من المقيمين بيننا ليس لديهم الحس الأمني، وأنهم قدموا من مجتمعات بعضها فوضوي، وتغلب عليهم الأمّية، بل وتنتشر الجريمة والانحراف في مجتمعاتهم الأصلية، ليستسهل استخدام الهوية، مناشداً المقيم الحفاظ على هويته، وعدم رهنها أو التساهل فيها، وقال: "يجب معاقبة من يتساهل في أمر هذه الهوية أو الإقامة، حتى لا تستغل فيما لا تحمد عقباه"، ذاكراً أنه يجب على المواطن الحذر كل الحذر والحيطة البالغة من إعطاء هويته مهما كان نوعها لأي شخص كان، حِفاظاً على أمنه وسلامته وسمعته الشخصية، وحتى لا يدخل في حسابات مع الآخرين، أو مع الجهات الأمنية فيما لو وجدت في مكان الجريمة أو الانحراف، أو أمسك بها البنك في قضايا أمنية مالية، مؤكداً على أن المواطن العاقل الصالح لا يضع نفسه مكان شبهة جنائية، وإن قدر الله وفقدت، فيجب إبلاغ الجهات الأمنية حالاً. شاب يقنع عاملاً أن يقبل رهن الهوية إلى حين سداد المبلغ إقرار خطي وقال "إبراهيم الغنام" -تربوي في تعليم محافظة عنيزة-: إنه من المعلوم أنه صدرت عدد من القرارات المشددة حول منع رهن الوثائق الثبوتية، وأنه من يثبت عليه مثل ذلك يكون عرضة لعدد من العقوبات، سواءً على الشخص الذي رهن، أو الجهة أو المؤسسة التي قبلت بالرهن، ومع ذلك نجد أن بعض الأشخاص والجهات والمؤسسات، لا يتقيدون بذلك، مبيناً أنه من الواجب على صاحب المنشأة إذا أراد إثبات حقه، تصوير الوثيقة، مع أخذ إقرار خطي لإثبات حقوقه المالية، مؤكداً على أن هذا الإجراء يُعد أكثر قانونية في إثبات الحقوق من رهن الهوية، مضيفاً: "من أراد رهن أمر من الأمور لضمان حقه، فليرهن شيئاً ذا قيمة مادية، يحفظ بها حقه، وذلك أفضل من رهن وثائق وضعت في الأصل لإثبات الشخصية لدى الجهات الرسمية، دون أن تكون أداة لإثبات الحقوق المالية والرهن"، مشيراً إلى أن رهن الوثائق الرسمية عرضة للضياع أو الاستغلال من قبل ضعفاء النفوس، لاستخدامها في بعض الأعمال الخارجة عن القانون، وهنا يكون صاحب هذه الوثيقة عرضة للمساءلة والعقاب أمام الجهات المختصة، وذلك بسبب تفريطه، ذاكراً أن هذا الأمر يجرنا إلى آخر، ألا وهو أن كثيراً من الجهات التي تطلب الهوية أو دفتر العائلة أو جواز السفر، إنما تطلبه لإثبات الأرقام في سجلاتها، دون التحقق من أن من يحمل هذه الوثيقة هو صاحبها الأصلي، وذلك عبر مطابقة الصورة، وهذا خلل يجب التنبه إليه والتشديد حوله. رهن الهوية الوطنية يزيد من جرائم التزوير عقوبات تدريجية وأوضح "الغنام" أن هناك عددا من الأمور التي تغيرت في المجتمع، منها ضعف النفوس نحو المغريات المالية، فتجد بعض الأشخاص ليس لديه أي مانع في أداء عمل من أجل الحصول على المال، ومن ذلك بيع الوثائق الرسمية، إذا كان المبلغ الذي سوف يحصل عليه مبلغاً مغرياً، ثم بعد ذلك يعمل من اشترى هذه الوثائق ما يشاء بها، مضيفاً أن هناك بعض الأشخاص يستغل جمع الهويات الوطنية في بعض الممارسات السلبية ضد الوطن، من خلال تحويل مبالغ مالية إلى أي جهة يريد دون أن تكتشف شخصيته الحقيقية والرسمية، مشدداً على أهمية أن تكون العقوبات تدريجية على المخالفين، تبدأ بالغرامة المالية على المخالفين كما هو معمول به، ثم بعد ذلك يتم رفع الغرامة على من يتكرر منه ذلك الفعل، مع إغلاق المؤسسة أو المنشأة لفترة زمنية، وإن تكرر الأمر بعد ذلك، فإنه يتم شطب السجل التجاري للمؤسسة أو المنشأة، مشيراً إلى أنه يجب أن يكون هناك جولات تفتيشية على المنشآت والمؤسسات التجارية من قبل الجهات الأمنية وجهات الاختصاص، وذلك بشكل مستمر، مع تطبيق أقصى العقوبات بحق المخالفين، إلى جانب التشهير بكل من يتكرر منه ذلك، مشدداً على ضرورة أن يعلم الجميع أننا نعيش في زمن قد تغيرت فيه كثير من المفاهيم عند عدد من الناس، فما كان في الماضي يصلح، ليس بالضرورة أن يكون صالحاً في هذا الزمن، ومن ذلك التعامل بحسن النية، ناصحاً بالتعامل بحذر وحيطة دون أن التشكيك بالأشخاص والنوايا؛ لكي نحمي أنفسنا ومجتمعنا من أي عمل لبعض ضعفاء النفوس، وحتى لا نندم على أي أمر من الأمور في وقت لا ينفع فيه الندم. د.يوسف الرميح التصدي للعابثين وأكد "الغنام" على أن توجيهات ولي الأمر وما صدر من تحذير وتوجيه بشأن أهمية الوثائق الشخصية، وأهمية الحفاظ عليها، وعدم التهاون بها، كل ذلك جاء من أجل حمايتنا الشخصية من تبعات التفريط بها، وكذلك الحفاظ على أمننا المجتمعي والوطني، إضافةً إلى الحفاظ على مكتسباتنا من عبث العابثين، لافتاً إلى أن أهل السنة والجماعة يؤكدون أن طاعة ولي الأمر في المعروف أصل عظيم من أصول العقيدة، ومن هنا أدرجها أئمة السلف في جملة العقائد، وهي فريضة شرعية لكل مسلم، لأنها أمر أساسي لوجود الانضباط في دولة الإسلام، قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا". إبراهيم الغنام