دأبنا نحن العرب على تكريم المثقفين والمبدعين والعلماء والمتميزين بعد موتهم، وعدم الالتفات إلى نشاطهم وعطائهم إلا بعد رحيلهم وكأن رحيلهم جرس إنذار يوقظنا بأن من رحلوا كانوا مبدعين. فنحن لا نعرف قيمة من حولنا إلا بعد رحيلهم ولا نعرف قيمة من خدم بلاده إلا بعد موته فنبدأ بسرد مآثره، فيا لها من مفارقة عجيبة.. حياة بعد موت.!! ولكن أي حياة تلك التي لا يعيشها المبدعون والمفكرون إلا بعد أن يواريهم التراب .. فعلى الرغم من أنها لمسة وفاء ولكنه وفاء متأخر، حيث إن هذا النوع من التكريم يسبب أسى لأسرة المبدع ويجدد أحزانهم ويجعلهم يشعرون بأنه كان مبدعاً في صمت ... أتساءل كما يتساءل غيري لماذا لا يعيش المبدعون حلاوة تكريمهم والحفاوة بعطائهم في حياتهم، وقبل رحيلهم! لماذا لا يتم إلقاء الضوء على تميزهم و تشجيعهم في فترة عطائهم وفي سنوات تألقهم قبل أن يجف النبع ويموت الزهر، فكما نتفق على أهمية العطاء والنشاط والتميز والإبداع علينا أن لا نختلف على أهمية تكريم المبدعين في حياتهم. حيث إن تكريم المبدعين فترة تألقهم بجانب أنه تقدير لجهودهم وإبرازها واعتراف المجتمع بتميزهم و فضلهم فإنه يعد حافزا لهم ولمن حولهم لتقديم المزيد ويجعلهم يزدادون فخرا بأنفسهم لتميز نشاطهم، وهو باعث ومحفز لإطلاق عنان التميز لدى غيرهم وذلك بتحريك جذوة الإبداع الكامنة، مما يساعد على نشر ثقافة الجودة والالتزام والإتقان والإبداع في المجتمع. أيضا لا ننسى أن الالتفات إلى المبدعين وتكريمهم في حياتهم يجعلهم يتذوقون لذة النجاح مما يساعد على التألق أكثر وأكثر فيكونون محط الأنظار في مجتمعهم ويشار إليهم بالبنان وقدوة لجيل الشباب القادم، وهذا ما نحتاج إليه في وطننا العربي. لقد سبقني بعض الكتاب في الحديث عن هذا النوع من التكريم (التكريم القاسي) أو التكريم بعد الوقت المناسب، ولكن هذه العجالة هي دعوة مني لتفعيل جوائز التميز والإبداع في جميع القطاعات الحكومية و الأهلية، وأرى أن يرعى صاحب أعلى سلطة في المؤسسة العلمية هذا النوع من التكريم. فعلى سبيل المثال تبنت وزارة التربية والتعليم جائزة التربية والتعليم للتميز وهي الآن في دورتها الثانية تحت رعاية سمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم، أيضا وزارة التعليم العالي تبنت جوائز للتميز والإبداع لأعضاء هيئة التدريس ولكن للأسف لم يتم تفعيلها في جميع الجامعات على الرغم من مضي أكثر من ثلاثة أعوام على صدور القرار، ومن هؤلاء الذين يستحقون التكريم والحفاوة بعطائهم من أعضاء هيئة التدريس من رحل عنا وغاب – رحمة الله عليهم- ولسان حالهم يقول: لا ألفينك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زادي *عميدة كلية العلوم – جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن