يؤدي ضعف أو غياب التنسيق بين الجهات الحكومية لضعف المخرجات النهائية في أعمالها وخدماتها، وينهك مراجعيها في الحصول على ما قدموا من أجله، ويحدث أحياناً فوضى تتعدد نتائجها السلبية وتتضاعف تكاليف ضبطها ومعالجتها، حتى إنّها تمتد لجهات أخرى، ويظهر ذلك جلياً في كون المشروعات الخدمية "الهاتف، والمياه، والصرف الصحي، والكهرباء" يبدأ الحفر لها بعد الإنتهاء من "سفلتة" الطريق، حتى إنّ البعض قد أطلق عبارةً تسخر من عدم تنسيق المعنيين في ذلك فقالوا "سفلتوا عشان نحفر!". تبادل التهم وأوضح "سلطان بن عبدالمحسن الرميثان" -مدرب بالكلية التقنية في بريدة- أنّ المتأمل للواقع المحلي يكتشف فجوة في التنسيق بين القطاعات الحكومية الخدمية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، مدللاً على ذلك بما تتعرض له الشوارع بين فترةٍ وأخرى من عمليات "حفر ودفن"، متسائلاً "هل وزارتا المياه، والبلديات، والخدمات الأخرى لا يجيدون التواصل بينهم لترتيب العمل؟"، مضيفاً أنّ ضعف التنسيق لا يقتصر على القطاعات الخدمية فقط، وأنّه أحياناً ينطبق على قطاعات أخرى، مستشهداً بما شهده "مستشفى الملك فهد التخصصي ببريدة" قبل أيام من ازدحام وفوضى، وذلك بسبب توجيه تعليم القصيم للمئات من المتقدمات والمتقدمين إلى المستشفى للحصول على تقارير طبية، فشهد بذلك زحاماً غير مسبوق تدخلت قوات الأمن فيه لمعالجة الوضع، فيما أصدرت الشؤون الصحيّة بالقصيم بياناً أشارت فيه إلى عدم وجود تنسيق لاستقبال الأعداد الكبيرة من طالبي الفحص الطبي، وفي المقابل أصدر تعليم القصيم تمديداً لفترة الفحص!، مشيراً إلى ذلك لن يحدث إذا وُجد التنسيق بين الجهات، ولو كان بمكالمة "جوال" بين المديرين، خصوصاً وأنّ جميع القطاعات قريبة من بعضها، ولا عائق يحول دون التواصل بينهم سوى "البيروقراطية"، التي هم من أنشأها وجعل منها مبرراً لعدم العمل، لتبدأ بعد ذلك الجهات رمي التهم فيما بينها، ومحاولة التخلص من المسؤولية بتحمليها للآخرين. عمل مؤسساتي وأضاف "الرميثان" قائلاً: "العمل المؤسساتي المحترف يحتاج إلى فريق تنسيق حتى يُنجَز بأقل جهد وأنسب تكلفة، وهذا لا يوجد -وللأسف-، وحتى يتم دعم العمل الأساسي يجب أن يكون هناك اتصال بالعلاقات ذات الصلة، ومجتمعنا عموماً يحتاج إلى تعّلم فن الاتصال، وعلى الجهات المعنية نشر ثقافة الوعي سعياً للتخلص من البيروقراطية، وزرع الإحساس الوطني في ذات الموظف ليسعى إلى خدمة المواطن، والتي هي خدمةٌ للوطن". غياب التنسيق في تنفيذ أعمال الصيانة سببٌ في الاختناقات المرورية أسباب جوهرية وأرجع "أحمد محمد الخضر" -محاضر في الكلية التقنية ببريدة- أسباب غياب أو ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، إلى عدم وضوح مفهوم الخدمة المقدمة لدى بعض الموظفين، سواءً على مستوى الإدارة التنفيذية أو رؤسائهم؛ مما يساهم في ظهور ثغرة عدم التنسيق بين المؤسسات الخدمية، حيث يشكل ضعف التنسيق الأعراض الظاهرة للمشكلة، موضحاً أنّه قد يُعزى هذا الضعف لأسباب جوهرية تتمحور حول الجهات المقدمة للخدمة، وموظفيها، والمستفيدون من خدماتها، معدداً أسباباً منها؛ عدم وضوح الأدوار المناطة بالموظف، سواء من حيث المهام أو المسؤوليات والحقوق، وضعف العلاقة بين الرئيس والمرؤوس وتضاؤل مساحة الثقة بينهما، وكون إنتاجية الموظف في الوظيفة الحكومية عند الحد الأدنى، باعتبارها رافداً محدوداً لإشباع احتياجاته؛ مما ينمي الشعور بعدم الرضا وظهور ما يسمى ب"البطالة المقنعة"، والسعي للتخلص من الأعباء المرتبطة بأداء الأعمال من خلال الإحالة لجهات أو موظفين آخرين، دون التواصل المباشر مع تلك الجهات أو الموظفين؛ مما يُسهم في وجود ردة فعل مقابلة لتلك الإجراءت، ويكون المتضرر الأكبر هو المستفيد، كما أنّ جهل المستفيد من الخدمة بحقوقه أمام مقدم الخدمة يجعله الحلقة الأضعف في مسار الإجراءات. أحمد الخضر الاعتراف بالقصور وبين "الخضر" أنّ عمل كل جهة بخطط وبرامج مستقلة يسهم في التعارض وهدر في التكاليف، وكذلك حرص بعض مسؤولي المؤسسات الخدمية على تضخيم الإنجازات المقدمة، وعدم الاعتراف بالقصور، واستخدام المسكنات المؤقتة لمعالجة المشاكل، وسيادة الطابع الشخصي على منهجية عمل الجهات المقدمة للخدمة وفقاً لرؤية مسؤولها، بحيث تتغير كثيرٌ من السياسات بمجرد تغير المسؤول؛ مما يُفقد الجهة الخبرة التراكمية والعمل المؤسسي، وهكذا ينبثق من كل أطراف مثلث الخدمات المقدمة جزئيات تتأثر وتؤثر على مستوى تقديم الخدمة كمنظومة متكاملة تحتاج للتنسيق، كاشفاً أنّ أبرز نتائج غياب التنسيق السلبية؛ ضعف مستوى الخدمة المقدمة، وتردي النتائج المحققة للمستفيد كالخدمات الصحية، ومخرجات التعليم، وارتفاع تكاليف تقديم الخدمة "الوقت، الجهد، المال"، إضافةً إلى إهدار المال العام كتكاليف الخدمات البلدية المباشرة للمقدمة للمواطن، وحدوث تذمر من المستفيدين تجاه الخدمات المقدمة؛ مما ينعكس سلباً على الموظف، مستعرضاً بعض النتائج الإيجابية للتنسيق، والتي يأتي في مقدمتها تحقيق الهدف الأسمى للخدمة المقدمة بإشباع حاجة المستفيد منها دون الإضرار بالآخرين، وتقليص الازدواجية في الأعمال والجهود بين القطاعات الحكومية؛ مما يقلل الأعمال المرتبطة بكل وظيفة، والاستثمار الأمثل للموارد، وسرعة إنجاز الأعمال، والارتقاء بمستوى الخدمة المُقدمَة. مجلس تنسيقي واقترح "الخضر" حلولاً لمعالجة ضعف وغياب التنسيق بإيجاد مجلس تنسيقي للخدمات في كل مدينة، وذلك لضمان سرعة التعاون والتنسيق بين الجهات المقدمة للخدمات، وإيجاد مركز معلومات لتلقي الاتصالات والاستفسارات عن الخدمات المقدمة وكيفية الحصول عليها، وتعريف المستفيد بحقوقه وآلية الحصول عليها، وتطوير مستوى أداء وسلوكيات مقدم الخدمة "المسؤول والموظف"، والبعد عن النظر للعمل بالبعد الشخصي فقط.