ألتمس العذر للشعراء المتأخرين إذا رأوا أن المتقدمين لم يتركوا لهم مجالاً بكراً لم يطرقوه، وعندما تجد أكثر من بيت راسخ في الذاكرة تستشهد به على عدد من النوازل ناهيك عما ألفته كتب التاريخ والاجتماع عن تلك الحقب التاريخية البعيدة. وكثيرا ما أجدني أردد قول المتنبي: مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيه ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ وسبب الاستشهاد ما يتملكني من الغيظ عندما أقرأ وأشاهد ذلكم الكم المهول من النكت والمقالات ومقاطع الفيديو والتعليقات التي تتندر على السعوديين، يصنعها على أغلب الظن سعوديون ويتناقلها أكثر من غيرهم بالتأكيد سعوديون. والتندر على السعودي والسعودية غدا سجالاً بين الرجال والنساء، كل ينتصر لجنسه، وينال النساء تحديداً من الرجل السعودي خصوصاً بعد العثماني "مهند" الذي أسهم كثيرا في تراجع مكانة الذَكَر السعودي عند المرأة السعودية، والتركية "لميس" التي أضافت إلى قائمة النساء اللاتي يعيّر بهن السعودي بنات بلده. سأتجاوز موضوع الركبة السوداء، وسروال السنة إلى ما هو أبعد من التأثير المباشر للتنابز بالألقاب وتبادل التهم والصفات والخصال التي تحط في مجملها من قدر المواطن السعودي. أشعر بضيق كبير عندما تُقرأ على مسامعي رسائل مصحوبة بالقهقهات العالية ويحط مضمونها من السعودي والسعودية، ومع أنني أحياناً لا أتمالك نفسي من الضحك إلا أن الإيغال في تلك العبارات التي تنال من قدر السعودي والسعودية تثخن بلاشك في الصورة الذهنية للوطن والمواطن، وتقدح في هويتنا وتصور الانتماء السعودي وكأنه ذنب يحاول كل البراءة منه، والاستغفار من رجسه. عندما نعولم رسائل التندر على السعودي، ونوغل في تشويه سمعته أو سمعتها تحت بند الفكاهة فإننا نعطل إحساسنا بالكرامة، وذلك ينسحب على الهوية التي ننتمي إليها فيصبح السعودي دلالة سيئة للجنسية التي يحملها بسبب هذه السمعة السلبية التي تروج عنه، مما يجعل البعض يخجلون من التعريف بأنفسهم بأنهم سعوديون فيذهب البعض إلى تقديم أنفسهم على أنهم من مكة أو المدينة أو الحجاز أو ربما الجزيرة وذلك استحياء من الدلالة السلبية التي بدأت تلتصق بالسعودي. سروال السنة هو أقلها وطأة لتأتي بعدها قلة الذوق، والتخلف، والجلافة، وعدم المسؤولية، والاتكالية، والشهوانية، والازدواجية، والفوضوية، والغرور، والعنصرية، والسطحية، وغيرها كثير مما تزفه لنا الجوالات وووسائل التواصل الاجتماعي. أحاول أن أقرأ شيئاً إيجابياً عن السعودي فيعز ذلك؛ فصحافتنا الإلكترونية الأكثر انتشاراً التي يجب أن ترتقي بالذوق العام وتعزز الانتماء والاعتزاز بالذات قد تحولت إلى صفحات حوادث لقصص القتل والسرقة والخطف والاغتصاب والعضل وزنا المحارم، والفساد، وبالتالي أصبح العنوان الرئيسي الذي يروج للصحيفة ويحقق الانتشار هو بلا منازع عنوان يسيء للسعودي في بيئته وخارجها. والذي يزيد الحيرة أن وسائل الإعلام التي استثمرنا فيها مئات الملايين في يوم ما توقفت عن دورها في دعم المواقف السياسية والثقافية السعودية إلى تعرية المجتمع السعودي بدون منهجية تبرز الإيجابيات والسلبيات، وإنما إغراق المتلقي في بحر حالك الظلام. هذا الطرح أو الردح وصل بنا إلى توطين النفس على التأقلم والتعايش مع صورتنا البائسة التي أسهمنا في صناعتها والترويج لها بجهودنا وأموالنا، ولذلك أصابنا الهوان ولم يعد جرح السمعة مؤلماً فقد استمرأنا الهوان وماتت جروحنا فلم تعد تؤلمنا بكل أسف. السؤال الكبير هو لمصلحة من يتم تحقير المواطن السعودي؟ وما علاقة ذلك بالانتماء الوطني؟ ومن يجني ثمار هذه المهزلة المتواصلة؟ طبعاً هناك من ينتظر مني الإحالة على المؤامرة، لكني لن أفعل لأن ما يحدث لنا ليس مؤامرة وإنما أكبر من ذلك والأيام حبلى، وياليت قومي يعقلون.