لعبة الكبار مع الصغار لا تتسم بالعواطف والفضاء الإنساني وقيم الشعوب، فكل شيء يبنى على المكاسب، ولا مجال للخسائر، وقمة الأمن النووي المنعقدة في سيئول، رغم الحضور المكثف من دول العالم، فالكبار هم من يحتكر إصدار القرارات وتبنيها، وقضية التحكم بالسلاح الفتاك مسألة تقاس عليها من له الحق امتلاكه، ومن يحرم عليه، وفي العالم، خارج القوى الرئيسية، هناك كوريا الشمالية، المارق الصغير على جنوبها، وتهديدها اليابان ومحيطها القريب وهي لا تستمد قوتها من امتلاكها هذا السلاح، وإنما من العناية والحماية الذاتيتين اللتين تمنحهما لها الصين، لإنهاء ورقتها التي تخرجها في المناسبات الحرجة مع الغرب أو غيره متى تأزمت الظروف أو قادت إلى خلافات مستجدة.. في منطقتنا العربية، تحيط بنا قوة إسرائيل النووية والهائلة، وهي خارج المساءلة كيف أسست وبنت هذا السلاح، ومن ساعدها في البذل المادي وزودها بالتقنيات، وهو أمر غير مجهول، فقد بدأ بناء مفاعل ديمونة بمساعدة فرنسية مفتوحة، ثم تعهدته دول أوروبية، فأمريكا لاحقاً، ومن عملوا على بناء ترسانتها، هم من يحمونها لأنها القنطرة التي تعبر منها إلى المنطقة ومراكز العصب الحساسة في الممرات الدولية وقاعدة لكل دول حلف الأطلسي، وبذلك صارت الحليف المتوج.. إيران الواقعة شرق الوطن العربي، تريد أن تكون قوة إقليمية معترفاً بها، وسعيها للسلاح النووي، يأتي من توافق مع روسيا والصين كمعادل لتنامي قوى الغرب، لأن الحرب الباردة الجديدة بدأت تأخذ بعداً يختلف عن نزاع الايدلوجيات إلى تقاسم النفوذ، والأمر ينسحب على باكستان، فلولا المباركة الأمريكية والأوروبية بحصولها على السلاح النووي وتحت رقابتهما، ما كانت تحصل عليه، والظرف الزمني الذي جعلها تفجر قنبلتها النووية، جاء لمعادلة الهند التي كانت تميل إلى المعسكر الشرقي، لكن بروز الصين كقوة، أدى أن تنقلب السياسات وتصبح الحاجة للهند أن تكون بمواجهة قوة الصين ليخدم السياسات الغربية ولا يغضب روسيا.. القمة لم تجعل على أجندتها الموقف من إيران أو إسرائيل، ولا ما سيصبح عليه سباق التسلح النووي في المستقبل، فالتركيز ذهب لمنع الإرهابيين الوصول إلى هذه الأسلحة، لكن الإرهابيين لا يستطيعون امتلاك ما يخيف به الشرق والغرب، ما لم يكونا هما من يقوم بهذا الدور وفق حسابات التنازع على المصالح، أو التهور بالسياسات.. العالم بلا أسلحة نووية حلم الطوباويين والمثاليين، ومع ذلك فالآمال معلقة على مجهول، ومن يجعله معلوماً من يملكون القرار الأخير!!