على الرغم من "ضعف شخصيته"، إلاّ أنّه قادر على التأثير السلبي على من حوله، ويجبر الآخرين على الإنصياع -رغماً عنهم- لما يقوله، أو محاولة إصدار أحكام جائرة ونصائح لا هَدَفَ لها سوى التثبيط والإحباط، بلّ يتمادى بإسقاطاته النفسية المُنفّرة، ونقده الجارح، وانتهازيته المستمرة، ومكائده المبطنة والمعلنة؛ في سبيل أن ينال ممن يتفوقون ويتميزون عنه، ولهذا نجده لا يكل ولا يمل من محاولاته، إلاّ عندما تُرفع له راية الاستسلام التي عادة ما تمنحه قَدْراً لا يستحقه، ولكنّ هناك من يُدرك حقيقة تلك الشخصية الضعيفة، ويعلمُ بأنّ التعامل معها أسهلَ من المتوقع، بل لا يصل في كثير من الأحيان إلى مستوى التحدي، ولهذا لا يكون للاستسلام وجود في حياته. "الرياض" في هذا التحقيق تناقش فكرة عدم الاستسلام للضُعفاء الذين نصادف تواجدهم المُعتّم في حياتنا الأسرية والاجتماعية وحتى العملية. حيل ونفسيات مهزومة بداية قالت "عائشة مطلق" إنّه من الصعب رهن أمنياتي بنفسيات وعقليات وحيل الضُعفاء من حولي، مشيرة إلى أنها حين عزمت على مواصلة دراستها والحصول على درجة الماجستير لم تجد من يدعمها، ولكنها لم تستسلم لسُخريتهم وتثبيطهم لعزيمتها. وأكد "سلطان محمد" على أنه كلما وثق الإنسان في نفسه وقدراته وإمكاناته العلمية؛ فإنه لا أحد يثبطه، ولا يستطيع أن يكفّهُ عن إبداعاته، مشيراً إلى أن الثقة بالذات وبما أنعم الله به عليه من مواهب وإبداعات كفيلة بعدم الالتفات لحيِل الضُعفاء الفاشلين في الحياة العلمية والاجتماعية، حيث يجتهدون في محاولاتهم لزعزعة الشخص حتى لا يثق في قدراته، مبيناً أن تلك الشخصيات لم تعتد المواجهة مع الآخرين، فهي تتوارى خلف تصرفات "مستفزه"، قد تصل في بعض الأحيان إلى تدمير كل ما يبنيه الشخص، وذلك كونها لا تستطيع رؤية نجاحات الآخرين، سواء كان ذلك في علاقاتهم الاجتماعية أو في محيط عملهم. وتساءلت "ركدة العطوي" -معلمة- "طالما أنّ الضُعفاء لم يستطيعوا أن يمنحوا أنفسهم فرصاً أفضل في الحياة فكيف نستسلم أمامهم؟"، مؤكدة على أنّ الاستسلام لهذه الفئة لا يكون إلاّ بسبب الضعف، وإن لم يكن كذلك فهو لحاجة ملحة لا يحصل عليها إلاّ بهذا الخنوع، منوّهةً أنّ الاستسلام للضعفاء يُبخسُ النفسَ حقها ويحرمها من أشياء كثيرة -أقلّها المحاولة-، وأنّ فرص الحياة والنجاح والتميز لا تنتظر الاستسلام أمام المتقاعسين والضُعفاء. د. محمد عاشور فن وجدارة من جانبه أشار "د.محمد حسن عاشور" -مستشار تربوي وأسري وخبير التنمية البشرية- إلى أنّ التعامل مع الشخصيات المختلفة "فن وجدارة أساسية" في الحياة، والتي ينبغي لكل إنسان أن يُتقنها -طالما أنّ طبيعتهم الاحتكاك ومعاشرة الآخرين-، ومن يعيش في الحياة حتمًا سوف يواجه أشكالاً وأصنافاً مختلفة منهم، المخلص، والواعي، والجاهل، والفضولي، والحاقد، والضعيف وغيرها من الأصناف، موضحاً أنّ الإنسان هو المسؤول الأول الذي يملك زمام الأمور في حياته، ويرسم مساره في الاتجاهات المختلفة، وواحدة منها حدود علاقته بالآخرين وأساليب التعامل معهم، والاستسلام للآخرين -سواءً كانوا ضعفاء، أو أقوياء، مصلحين أو مفسدين- غير مرغوب به مطلقًا، وإنّما يَنمُّ عن شخصية ضعيفة، تدور في أفلاك الآخرين، لا تستطيع أن تملك قرارها في أمور حياتها، مشبهاً هذا المستسلم ب"ورقة الشخبطة"؛ وذلك حينما يسمح هذا الإنسان للآخرين -مهما كانوا- بأن يتحكموا في حياته ويتخذوا القرارات بالنيابة عنه، واصفاً إياه بالرسام الذي ترك لوحته للمارة من الناس ولكل من هب ودب ليرسم عليها ما يحلو له، معتبراً ذلك "ضرباً من الجنون"؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- وهب الإنسان العقل وترك له حرية الاختيار في جميع أمور حياته، فكيف يسمح للآخرين أن يديروا حياته كما يدار التلفاز "بالريموت كنترول"؟. شخصيات وأساليب وقال "د.عاشور": "إننا هنا لا ندعو إلى الجمود والتقوقع حول النفس والاعتداد بالرأي؛ لأنّ ذلك أيضاً يعدُّ نقصاً في الشخصية، وله إشكاليات عديدة، أكثر من يتضرر منها الإنسان نفسه الذي يحمل تلك الصفات، وإنّما ننادي دائمَا بالمرونة الفكرية والعقلية، وقد عرّفتها على أنّها قدرة عقلية ونفسية تُمكن المَعنيّ الانتقال من موقف (حالة) إلى أفضل بأكبر ربحٍ ممكن وبأقل خسارة محتملة، والحياة مليئة بالأشخاص ذوي التركيبات المعقدة والتصرفات العجيبة، والاستسلام لهم وتركهم يتلاعبوا في حياتنا تحت حُجة تجنب مشاكلهم وإزعاجهم والضغوط النفسية الناتجة عن تلك التصرفات أمرٌ غير مقبول وغير منطقي، كما أنّ الأهم في هذا هو أن نتعلم فنون التعامل معهم، وهناك جُملةٌ من الأساليب المتعددة والمتنوعة حسب المواقف، فأحيانا يكون العلاج الفعال أسلوب (التطنيش)، وتارة أخرى نجد أنّ هناك أشخاصاً لا يجدي معهم هذا الأسلوب بل لابد من إطلاق المضادات المناسبة بدءَاً بالكلام الليّن إلى القاسي، والله -سبحانه وتعالى- أمرَ بجلد الشخص الذي ينقل خبر الفاحشة ولا يأتي بالشهود رغم أنّه قد يكون صادقاً، ولو تأملنا الحُكم لوجدنا فيه عدم ترك أصحاب النفوس المريضة فرصةً وتربة خصبةً ليزرعوا فيها سمومهم، وقد نواجه شخصاً فضولياً، هل نستسلم لفضوله؟، وننقاد لأسئلته وما قد تحمل من معاني خفيه وراء الفضول، بالطبع لا، لكن بشيء من الفطنه وحسن التصرف نستطيع أن نُدير الحوار ونتحكم في الموقف كأن نرد على السؤال بسؤال، أو أن نستخدم أسلوب (التضييع) وتارةً أخرى نحتاج إلى الصدّ المباشر ونخبره بأنّ هذا أمرٌ خاص، ولنا أن نبتكر من الأساليب ما هو مناسب، وكما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (أن تُخالطَ الناسَ وتَصبرَ على أذاهم، خير من أن لا تُخالط الناس ولا تصبر على أذاهم).