أمي توفيت، وأنا متعبة جداً، قلبي موجوع، وذاكرتي مرهقة، والآه لم تخرج من صدري حتى الآن. العناية المركزة، وتحديداً غرفتها المرقمة ب السابعة عشرة، لم تنصفني ذلك اليوم الذي دخلت عليها فيه، وتوسلت أمي وهي نائمة بشكل عميق، أن تصحو تلك اللحظة، أن لا تنام وتخذلني كل التوسلات المرتبكة، أن لاتتركني أبداً، مسحت على كفّها وأنا أتضور برداً، وددت لو أنها تشد على كفي كما كانت تفعل، وددت فقط لو شعرت بحنانها وذاك الدفء الكامن في قلبها، أمي وأنا أنظر إلى كفك الساكن، امتدت بي كل الذكريات، وكيف أنكِ تهديننا كل الأفراح من صدرك، لننعم بها، وكيف أنكِ لا تبالين بحزنك الذي تخبئينه عنّا،حتى تصفين لنا أنه لا شيء يأتي بمثابتنا مادمنا سعداء. الليل طويل يا أمي، ولديّ الكثير من الحكايات، الكثير من الأخبار، بل وحتى الكثير من الأحاديث السخيفة، التي لا أملّ من أن أصفها لكِ، والصبح لم يعد يغريني قط، لم يعد عصفوره يغرد، لم تعد للقهوة طعم مثل السابق، ولا حتى مائدة إفطارنا، الصبح بارد يا أمي، الصبح كما اللون الداكن، لا يستسيغ الألوان البراقة، قولي لي ما أصنع بالحياة من بعدك؟ وما أصنع بالهدايا الجميلة، وكراسة يومياتك، وجميع الأشياء التي عشناها معاً؟ قولي لي، ماذا أفعل بيوم العيد وأنا لا أؤمن بالأعياد إلا معك؟ وما أصنع بالأزمنة الخالدة في هاجسي المجنون، الذي لايأبه أن يذكرك كل حين؟ إنني لا أفهم حقاً معنى أن تذهب أمي دون وعد منها أن تعود قريباً، إنني لازلت أفتش عنها في الأمكنة، والزوايا، والوجوه المرسومة بالحزن الطافي. أمي، عندما تأتين لزيارتي، قولي لي إن الحياة مثل الماء، عندما يتراهن الأطفال على الإمساك بخيطه الهادر، ولا يستطيعون، قبّليني، وشدّي يدي جيداً ثم افتحي كل نوافذ السماء لنتنفس معاً، فحزني عريض يا أمي.