كل من يجيد قواعد النحو يعرف أن عنوان المقال خاطئ (من حيث الإعراب) ولكنني قررت اختياره بعد بحثي في الانترنت عن إعراب جملة قرآنية صعب علي تفسيرها.. فأثناء تنقلي - من رابط لرابط وصلت إلى قس حاقد يدعى زكريا بطرس ادعى وجود أخطاء لغوية في القرآن الكريم .. ومن الأمثلة التي استشهد بها في اليوتيوب قوله تعالى: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا).. فحسب قواعد اللغة العربية يفترض أن تكون الآية (إن هذين لساحران) وليس (إنْ هذان لساحران) كون المثنى ينصب بالياء وليس بالألف .. فكما هو معروف (إن وأخواتها) تنصب المبتدأ وترفع الخبر وبالتالي يجب أن نقول: إن هذين لتلميذان، لا أن نرفع الاثنين ونقول : إن هذان لتلميذان.. وكان بطرس المخادع يتحدث بحماس شديد وكأنه اكتشف شيئاً جديدا، في حين أن علماء اللغة والتفسير تحدثوا منذ قرون في هذا الموضوع وأشبعوه بحثاً.. وكي أعفيكم من التفاصيل سألخص أقوال النحويين في ثلاثة أقسام رئيسية: - القول الأول: أن هذه الآية نزلت بلغة الحارث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة ممن يجعلون رفع الاثنين ونصبهما وخفضهما بالألف بحيث يقولون مثلا: جاء الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وقال أحد شعرائهم: تزوّد منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم (حيث جاءت أذناه هنا بالألف رغم أنها في موضع الخفض)... - والقول الثاني: أن حرف "إن" في الآية السابقة يأتي بمعنى (نعم) كما حكى الكسائي بأن العرب تأتي ب"إن" بمعنى نعم ، وقول سيبويه "إن" تأتي بمعنى أجل، وقول أبي محمد الخفاف "إن الحمد لله" إعرابها بالنصب ولكن العرب تجعل "إن" في معنى نعم وترفع مابعدها.. أما القسم الثالث فاعتبره بكل بساطة خطأ إملائياً غير مقصود يفترض تصحيحه.. فمن المعروف أن القرآن الكريم جمع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكُتب برسوم إملائية مختلفة/ أو ربما خاطئة سها عنها الكُتاب.. وهذه من الأسباب التي جعلت عثمان بن عفان يحرق بقية المصاحف ويكتفي بمصحف واحد دعي بالمصحف العثماني.. ... وأنا شخصيا أستبعد الرأي الثاني وأرتاح للرأي الثالث كونه الأكثر بساطة والأقرب للوقوع .. فكما قرأ ابن مسعود وابن عباس وغيرهما قوله تعالى (والشمس تجري لا مستقر لها) بدل (والشمس تجري لمستقر لها) قرأ أيضا بعض النحويين الكبار مثل ابن عمر والجرجاني وعيسى بن عمرو (إن هذين لساحران) بدل (إن هذان لساحران)!! ... ومن جهة أخرى ؛ لا أتردد في اتخاذ (القول الأول) كدليل على أن قواعد اللغة ذاتها ليست (قرآنا منزلا) بل ابتكار بشري ظهر (بعد تدوين القرآن) واعتمد على لغة قريش كأساس .. بكلام آخر.. توجد لهجات أخرى (لقبائل عربية أصيلة عاشت زمن قريش) تخالف من حيث التركيب والإعراب قواعد النحو والصرف التي نعتمدها حاليا / والدليل قوله تعالى:(إن هذان لساحران)!! ... ولأن القرآن نزل على سبعة أحرف (ولأنه حمال أوجه كما قال علي رضي الله عنه) لا يفضل علماء النحو الاستشهاد به دائما.. وكنت قبل سنوات قد تعرفت - في حفل زفاف - على أستاذ عراقي عمل في الماضي في مجمع اللغة العربية في بغداد.. وحين أتى الحديث عن الاستشهاد بالقرآن الكريم قال شيئا صدمني في البداية ثم وجدته منطقيا في النهاية .. قال: من أسرارنا نحن علماء اللغة أننا نتحاشى الاستشهاد بالقرآن الكريم في المسائل النحوية لأننا بذلك نترك فرصة لمنافسينا للاستشهاد بآية أخرى تخالف رأينا وتقوي رأي المعارضين لنا.. والحل الأفضل - حسب رأيه - هو الاستشهاد بأبيات شعرية وحيدة لشاعر جاهلي كبير (مثل زهير أو الأعشى أو طرفة بن العبد) بحيث يعجز منافسك عن معارضتك بأبيات مخالفة لذات الشاعر/ أو في أفضل الحالات لا يجد غير الاستشهاد بشاعر أقل منه مستوى وشهرة!! ... أذكر جيدا أنه ابتلع حبة عنب كبيرة وقال: لا تخبر أحدا بسر المهنة ..