عندما عرفت بمنح كتابي "تغني الأرض: أرشيف النهضة وذاكرة الحداثة" (أدبي حائل- الانتشار العربي 2010) بجائزة وزارة الثقافة والإعلام عن فئة الفنون لعام 2012, تمنيت لو جمعت من كانوا السبب وراء الكتاب لأقدمها لهم. فقد طاف بذهني طلال مداح صوت الأرض الذي أوحى باسم الكتاب كما كان اختيار رباب تجربة وحالة حداً لحسم حيرة بحثية ألمت بي حين أردت أن أختار اسماً نسائياً يمثل قاطرة تنطلق فاصلة بين عالمين بداية الحداثة وصورها، ونهاية الموروث ومنقولاته. لم تكن إلا رباب.. التي كشف حديثاً هاتفياً لي معها، لاستكمال معلومات تخدم الدراسة، بساطة تخفي ذكاء فطرياً وتجربة عميقة دعمت أداءها الخلاق في أعمالها الممتدة بين 1980 -2007. لم تصمد تجربة ابتسام لطفي مع أنها منذ انطلاقها 1969 حتى توقفها عام 1988 تمثل حالة فريدة من تأسيس حالة غنائية نسائية لا نسوية، وهي ما ستمثله لاحقاً –وبشكل عابر – سارة قزاز حين انطلقت عام 1977 مع ألحان محمد شفيق غير أن التجربة سوف يكملها لاحقاً عبد المجيد عبدالله حتى كرسها خالد الشيخ. ولم تكن تجربة ليلى عبد العزيز أو عتاب سوى استمرار بصور مختلفة لكل من عودة المهنا وعائشة المرطة في الكويت، على سبيل التمثيل، وكل من فاطمة العتيبية وتوحة في السعودية كما ذكرهما المؤرخ محمد علي مغربي باعتبار تلك الأصوات تدور في فلك التراث، وعلى هامش الحداثة الغنائية التي تكرست عند عبد الكريم عبد القادر ومصطفى أحمد في الكويت وطلال مداح وغازي علي في السعودية منذ عام 1972. وجاءت رباب لتأخذ مساراً في هذا الطريق الوعر منذ انطلاقتها الفعلية عام 1980 بعد تحضير لم يستمر طويلاً بين عامي 1977-1979 فوزها في مسابقة مواهب وعملها في كورال. بدأت رباب ناضجة اختطت مساراً لم يوازها أحد وإنما سهلت الطريق لكل من جاء بعدها مثل نوال وهدى عبد الله لاحقاً. لم تقف عند حدود الخليج العربي فهي الصوت العصي على الحدود، والذي ضمن لخطواتها تصاعداً حتى بلغت التجربة نهايتها عام 2007. ساعدتني تجربتها على وضع تصنيف كمي ونوعي يعتمد استقراء منهجي لما قدمته من مجمل التجربة. ففي المرحلة الأولى(1979-1988): سيطرت موضوعة "المواجهة وإرادة القرار"، وتكرست خلال هذه الفترة صور غنائية عدة تكشف عن الاعتزاز بالنفس، ومواجهة التكافؤ، ونسبية المشاعر، وحفظ الكرامة، والمسؤولية المشتركة، واليأس الوجودي. لم يكن الجديد، وهو عنصر أساسي، على المستوى التقني أن تخدم صناعة الكاسيت تجربة رباب باعتبارها وسيلة التواصل والتداول الحيوية في الربع الأخير من القرن العشرين بل إن الدراما التلفزيونية أملت شروطها فكان الغناء والاستعراض من عناصرها الأشد تطلباً في الليالي الرمضانية، ولا ننسى أداءها الشهير لمقدمة ونهاية مسلسل الغرباء 1982 وهذا العنصر الثاني الذي بنى علاقة شديدة الخصوصية بين صوت رباب والجمهور، لا يزاحمها ذلك سوى عبد الكريم عبد القادر وطلال مداح إذ يبقى للصوت صدى في نفس مستمعه مهما غاب واختفى. تنوعت أدوار رباب في هذه المرحلة من أغانيها من العاشقة والمتمردة والمتحدية إلى الفاقدة والمستصرخة والعرافة. ولا يستغرب أن ما سمح بهذا التنوع تركيبة المشهد الثقافي في الكويت بين عقدي السبعينيات الذي تمتع بأعلى درجات حيويته ولياقته الحضارية. ولعلنا نذكر تمثيلاً لا حصراً، المسرح السياسي الساخر، والدراما التراثية الرمزية، وبرامج المنوعات المختلفة. وسأتحدث عن مرحلتين أخريين في مقال لاحق.