فتاة سعودية تعيش في كنف أسرتها بين أب يتدفق حناناً، وأم تجللها رعاية واهتماماً، وعلاقة مع اختها الوحيدة تفيض حباً ووفاءً، وهناك نحو قمة هرم الرجولة تنظر تلك الفتاة بعين الاعتزاز لاخوتها، حيث هم أمن حاضرها، وأمان مستقبلها، وفي نشوة أحلامها المستقبلية فاجأ الموت والدها، لتصحو من هول الصدمة على أنين مرض أمها، وانهيار الهرم الثلجي لرجولة اخوتها تحت وطأة عاصفة المخدرات، لتجد هذه المفجوعة نفسها وسط أمواج الظروف العاتية مصارعة اليأس بالأمل فهي تنتظر عريسا ينقذها نحو شاطئ النجاة لعلها ترزق منه بطفل تملأ ضحكاته فراغ قلبها المكلوم، ولعلها تجد في فارس أحلامها مكارم أخلاق ترمم بها ما تهدم من كيانها الأسري، وقد كان لها بعض ما ترجوه فها هي ذي توهب طفل وطفلة عاشت بهما ومعهما سعادة، إلاّ أنها للأسف سعادة لم تدم طويلاً، حيث فقد والد هؤلاء الصبية قوامة الزوج ومقومات الابوة لانزلاقه هو أيضاً في بركان المخدرات المهلك، لتعود هذه الفتاة من حيث أتت ومعها ورقة طلاقها لتزداد في طريقها نحو المجهول نبضات قلبها خفقاناً على صغارها؛ خشية زمن جعل هذا القلب يقبع خلف أضلع تهشمت من حزن لا يفارقها، فلا أب اليوم يدللها، ولا أم ترعاها، ولا أخ يحميها، ولا زوج يسعدها، ولا حتى مجتمع يرحمها، فقط أملها الوحيد شقيقتها التي سقطت بين فكي المرض النفسي، وأصبحت طريحة فراش مزقه الفقر بأنيابه. وكأي مطلقة حاولت هذه المرأة ان تقف بشموخ وعصامية أمام ما يوجهها من مآس، إلاّ أنها سرعان ما انهارت قواها لصراخ صغارها الدائم فهي لا تملك قيمة ما تسد به رمق ابنها، ولا ما تستر به سوءة ابنتها، وفي منتصف ليل رعبه كوم صغارها في حجرها طرقت امرأة شريرة الباب لتلجه قاصدة استغلال الظروف وانتزاع تلك المغلوب على أمرها من بين أطفالها، نحو الجريمة وعالمها المخيف، وما هي إلاّ أيام لتقع هذه المسكينة في يد العدالة، بينما بقيت العصابة الإجرامية تعبث في الوطن فساداً. وعلى تلاوة القاضي الشرعي بالحكم عليها عدة سنوات سجناً ومئات الأسواط تعزيراً تغادر تلك التائهة قاعة المحكمة حيث السجن، بينما يفارقها صغارها منقولين لدار الرعاية الاجتماعية، في لحظة وداع مؤثر بكاه من حضره، خصوصاً عندما انتزعت قمصان أطفالها لتشم رائحتهم ومن ثم تدخلها في جيب صدرها لتصحو وتنام عليهما فلم يعد يربط وجدانها معهم سواها مع ما تبقى من ذكريات، فهي لن تخلد بعد اليوم للنوم على أنفاس ابنها وهو يلاعب شعرها، أو ابنتها وهي تتقلب في حضنها الدافئ. الخلاصة الرجل بكونه وكيانه وكينونته يعد العمود الفقري للجسم الأسري، يؤثر ويتأثر سلباً وايجاباً على سلامة ذلك الجسم وأعضائه، الأمر الذي شاهدنا به مواطنتنا بطلة هذه القصة المأساوية كيف حالها بعد وفاة أبيها، وتناوب الأدوار الفاشلة بين إخوة سقطوا في مستنقع المخدرات، وزوج لحقهم مع مرض الأم عضوياً، والأخت نفسياً، ليختم هذا المشهد الفقر والبؤس. حلول إنشاء إدارة تسمى الأسرة البديلة بوزارة الشؤون الاجتماعية تتولى متابعة الأسرة السعودية منذ تكونها حتى اكتمالها، بل يتعدى ذلك تبني مثل هذه المرأة التي انتهت محكوميتها، وزدات عليها سبعة أشهر، لعدم وجود ولي أمر يتسلمها لأسباب معلومة وأخرى مجهولة. - تفاعل القطاع الخاص ووزارة العمل مع السجينة التي تخرج للمجتمع باحثة عن مصدر رزق، خصوصاً ان وزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للسجون، وبعض الجهات الحكومية، أوجدت دورات تأهيلية لمنح السجينات شهادة تخرج علمية وشرعية وتقنية. - تحمل المجتمع السعودي المسؤولية الاجتماعية كاملة لمثل هذه السجينة من خلال إيجاد صناديق خيرية تعاونية في الأحياء، أو الهجر، أو القرى، تحت إشراف الدولة، يقوم عليها المسجد والمدرسة والجار والصديق وفاعل الخير.. إلخ على غرار صناديق الأسر أو القبائل التي أتت ثمارها الشخصية. تحذير سمعنا وقرأنا وشاهدنا ضبط جهاز الأمن المختص لنصف طن من المخدرات قادمة من إيران، فما مدلول ذلك، حسب رأي ورؤى المواطن الغيور؟. شكر وتقدير للإعلامي والاجتماعي اللذين تلقى المجتمع منهما وعبرهما وبصوت السجينة.. تفاصيل تلك المأساة.