بعدما تعبت من ملاحقة أبنائها الثلاثة، حضنت ابنتها الصغيرة أو«المهدئ الأفضل» للصداع الذي يحيط بها. قضت يومها ما بين تأديب الأكبر وتذكيره بأن يعامل الخادمة في شكل جيد، لأن إخوانه يقلدون تصرفاته، وبمراجعة الواجبات المدرسية للأوسط، وملاحقة الشقي الصغير ليجمع ألعابه المبعثرة في الصالة وعلى الدرج وصولاً إلى الطابق السفلي. تتشارك هذا «المهدئ» مع زوجها، الذي يرى في ابنته إنجازاً مهماً وحباً لا ينتهي. تحب ناهد أولادها، لكنها تتمنى أن ترزق بطفلة أخرى تعطيها السعادة والهدوء، وتساعدها في تربية الأولاد، الذين لا يرفضون أيَّ طلب لشقيقتهم الصغرى. نشأتها في أسرة مكونة من ثلاث فتيات وثلاثة شبان، تذكرها دائماً بأهمية الفتاة في المنزل، أشقاؤها انشغلوا بحياتهم الخاصة. تجتمع معهم في المناسبات أو على الهاتف، أمّا شقيقاتها فيملأن جزءاً كبيراً من حياتها. اتصالاتهن لا تنقطع، وإن كانت المواضيع مكررة. لا يسلم الأمر من حصول مشكلات، في بعض الأحيان، لكنهن يبقين الصديقات الأقرب بالنسبة إليها. من جهة أخرى، تفتخر «أم منصور» بأنها أم الصبيان في العائلة وتشعر بالزهو لأنها لم ترزق ببنت. وترى أن تربية الفتاة مسؤولية لا تنتهي، معوّلة على قاعدة أن «لا عيب على الشاب مهما فعل». تحاول الصديقات أكثر من مرة أن يوضحن لها التغير الحاصل في المجتمع، يذكرنها بأنها كانت في يوم من الأيام فتاة، إلا أنها تبقى مصرّة على موقفها واصفةً المجتمع السعودي والعربي «بالذكوري»، وقائلة ان إنجابها للأولاد وضعها في مكانة مميزة، بعيداً من القيل والقال، وفي مكان مريح للبال، إذ أنها غير مضطرة لأن تبقى مشغولة البال على الفتاة حتى إلى بعد تزويجها، لأن كل شيء قسمة ونصيب وماذا إن كان نصيب ابنتها عاطلاً؟ ولا تزال أثار هذه الظاهرة واضحة في كثير من المنازل، ويعتبر «أبو مبارك» على سبيل المثال، أن الثانوية العامة كافية لابنته «التي لا يلزمها أن تكمل تعليمها»، فقرر توقيفها عن الدراسة بعد تخرّجها منها. وترك أبو مبارك ابنته في المنزل أربع سنوات، على أمل بأن يأتي الزوج المناسب. لم يسمح لها بالعمل، ما أثّر سلباً في نفسيتها و علاقتها به. وبعدما كانت قريبة منه، تحوّلت علاقتها به إلى علاقة رسمية جداً ومتوترة، على خلفية شعور توّلد عندها بأن والدها ظلمها بتصرفه، على عكس تعامله مع شقيقها مبارك، الذي يخالف والده الرأي، والحاصل على بكالوريوس هندسة من الولاياتالمتحدة، إذ يرى أن ما فعله والده «تقصير» سببه الرئيسي المجتمع المحيط بهم. ومع تقدم الوقت، سيطر الندم على أبي مبارك، لا سيما بعدما نالت بنات أشقائه شهادات جامعية وتزوجن من رجال متعلمين، فما كان منه إلاّ أن تراجع عن «حكمه» الأول، محاولاً تصحيح ما ألحقه من ضرر بابنته، فقرر السماح لها بالعودة إلى الجامعة وإكمال دراستها. في المجتمع السعودي المحافظ تكون الأفضلية غالباً للذكر على شقيقته، إذ يشارك في أخذ القرارات المنزلية، وحتى المتعلقة بحياة شقيقته وإن كان لا يكبرها إلاّ بسنوات قليلة، وقد تصل به الأمور إلى اتخاذ القرار عنها والتحكم بحياتها وإن كان يصغرها بسنوات. ويقوّم الصبي على اخته على اعتبار أن «تحميله المسؤولية» يمكّنه من احسان التصرف ويساعد على تربيته ليصبح رجلاً صاحب قرار. والطريف أن «أم خالد» تركت ابنها ذا الثماني سنوات، يقرر تصميم العباءة التي تريد أن تشتريها، تاركة ابنتها الشابة في المنزل. ويعتبر الولد مهما صغر سنه، أنه سيكون في يوم ما شاباً مسؤولاً عن أسرة، ويجب أن يعتاد أخذ القرارات. ففي الوقت الذي لا يزال الوقت مبكراً بالنسبة إليه، كي يخرج مع والده، وكي لا يبقى في المنزل «كالفتيات» تصطحبه الوالدة معها، ففي محيط أم خالد، «الولد دائماً مصدر للفخر، أما الفتاة فيكفي أن تُربى لتكون زوجة صالحة، ومعلمة لأولادها». ومع أن التربية تختلف من شخص إلى آخر، لكن الشائع أن تربية الأبناء أصعب من الفتيات، وتحتاج إلى حزم دائم، لكون الذكر بطبيعة الحال بعيداً من العاطفة ويفتقر إلى التعبير عن مشاعره. سوسن رزقت بخمسة أولاد، ولكنها تمنت أكثر من مرة أن ترزق بفتاة، إذ أن تعاملها مع الصبية طوال حياتها، يشعرها دائماً بأن لا وقت للراحة، ولطالما تمنت أن يُعبِّرَ أبناؤها عن حبهم لها، لذا اتخذت من زوجة ابنها البكر صديقة لها، وتعاملها على أنها ابنتها، لدرجة يعتبر البعض أنها تبالغ في تدليلها، اذ تقف دائماً في صفها، على حساب ابنها البكر. وكثيراً ما تؤكد أن دخول فتاة إلى المنزل أضاف اليه لمسة أنثوية، وملأ المنزل بالسعادة، الأمر الذي انعكس على تعامل ابنها معها، وصار أكثر انفتاحاً مع والدته. وغالباً ما تشعر العائلات بمثل هذا التأثير، عندما ترزق بطفلة، وهو ما حدث مع افراد أسرة «أم عادل» عندما دخلت ابنتها زينة آخر العنقود عليهم، والتي أتت بعد طول انتظار، لتقلب البيت رأساً على عقب. والفتاة التي لم تتجاوز الرابعة من العمر تحتل المكانة الأكبر في قلب والديها وأشقائها، وتحظى بنصيب الأسد من الدلال والرعاية من الجميع، ويبدو تأثيرها على الأسرة وعلاقة الأولاد بوالديهما واضحاً. وتؤكد والدتها أن ابنتها أعطت الأسرة حياة جديدة، وأدخلت سعادة من نوع مختلف على البيت، بتحركاتها اللطيفة وحبها للجميع. وعن وصفها للفرق بين البنت والولد تقول: «كلاهما نعمة، ولكل منهما فرحة وعناء، لكن الفتاة تتعامل بنعومة وتحبب الآخرين فيها». وتضيف ضاحكة: «مع أنها تشاركني بقلب زوجي». وتقول: «لا يجد مانعاً من السهر مع ابنته أو الاستماع لتحركاتها في حجرة النوم، على رغم اضطراره للذهاب إلى العمل في الصباح الباكر، ويصف إزعاجها بالموسيقى».