تتعرض مدخرات الأفراد إلى الضياع بسبب ممارسات أصحاب المساهمات العقارية وغرقت هذه المدخرات في غياهب المجهول.. وبالطبع فإن الأبطال الذين أغرقوها هم رعاة المساهمات والاستثمارات العقارية، حيث أوهموا المساهمين المغلوبين على أمرهم بالعوائد السريعة والكبيرة أيضا، وممارسات رعاة المساهمات العقارية التي راح ضحيتها صغار وكبار المدخرين والمستثمرين في هذه المساهمات لم تكن وليدة اليوم بل إنها ممارسات قديمة حيث لا تزال بعض المساهمات العقارية معلقة ومصيرها مجهول منذ سنوات تحت اعذار واهية من رعاتها. ولعل دخول أسماء جديدة من سماسرة المكاتب العقارية وتبنيهم المساهمات زاد الأمر تعقيدا على المستثمر الذي لم يعد قادرا على التفريق بين من هو جيد وكفؤ ومن هو ردئ عديم الكفاءة لادارة هذه الاستثمارات. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ان مئات بل آلاف الملايين من الريالات قد ضاعت على أصحابها ومعظمهم من صغار المدخرين بسبب غياب الجدارة والكفاءة من رعاة المساهمات ناهيك عن أمر آخر وهو الجشع الذي أصاب أصحاب المساهمات ومن النقاط الجديرة بالذكر والتي يجب أن ينتبه لها المستثمرون والمسؤولون في الجهات المختصة وذلك لاعادة النظر في طرح المساهمات العقارية واسلوب ادارتها ما يلي: 1 - في السابق كان عدد العقاريين محدوداً وكانوا معروفين، ويستطيع المساهم تصنيفهم حسب درجة الثقة بهم ولذلك يبتعد عن المساهمات التي يديرها من هم ليسوا محل الثقة لإدارة المساهمة ولكن في الآونة الأخيرة ظهر جيل جديد من العقاريين طرحوا المساهمات العقارية باسلوب دعائي واعلاني مبهر في مختلف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، هذا الاسلوب الدعائي الكبير المبالغ فيه جعل هؤلاء المساهمين يلهثون وراء الأرباح الخيالية الموعدة لبعض المساهمات التي دعمت اعلانها بنتائج من دراسات الجدوى الاقتصادية المضللة والتي هي في الواقع بعيدة عن المصداقية وعن الحقيقة على واقع الأرض وخاصة للمساهمات التي تحمل في طابعها ما وراء تطوير الارض الى تنفيذ المشاريع ولكن أن المستثمر الصغير سوف يقع ضحية الدعايات المبهرة في ظل جهل الكثير منهم بمعرفة قراءة دراسات الجدوى الاقتصادية وما تخبئه من مبالغات هذا الوضع وكثرة المساهمات التي تطرح كل يؤمن افرز نتائج سلبية على العقاريين الموثوقين في هذا المجال والنتيجة بالطبع كما نشاهد الآن من أوضاع مأساوية محزنة للمدخرين الذين حلموا بالارباح واذا بهم يفاجأون بضياع رؤوس أموالهم.. 2 - من ممارسات معظم اصحاب المكاتب العقارية «رعاة المساهمات» التي تدعو للعجب ويتطلب الأمر اعادة النظر جدياً في اسلوب طرح المساهمات العقارية، هو قيام راعي المساهمة عند نيته شراء الأرض بسعر معين مع البائع، ومن ثم طرحها للمساهمة العامة بسعر أعلى من السعر المتفق عليه مع البائع ويذهب هذا الفرق لراعي المساهمة وبالطبع فانه ايضا يحصل على السعي المقدر ب 2,5٪ من سعر المتر المزعوم وليس الحقيقي، وعند تصفية المساهمة «والذي غالبا ما يتم الا بعد عناء وانتظار طويل» يأخذ سعي آخر هو سعي البيع، والنتيجة ان راعي المساهمة قد حقق أرباحا خيالية من هذه الممارسة، وفي رأيي انها أخذت عنوة من حقوق المساهمين، حيث أنه ليس من حقه سوى السعي فقط مقابل ادارته لهذه الاستثمارات أو المساهمات وحصة من ارباح رأس ماله فيها، ان صاحب المساهمة لم يكن يستطيع ان يقود هذا الاستثمار بدون اموال المساهمين المغلوب على أمرهم والتي تشكل النسبة الكبرى وبما يزيد عن 75٪ من قيمة شراء الارض والاستثمار، وفي هذا نلاحظ انه لا يمكن لاي مدير استثمار عقاري او غير عقاري في العالم يستطيع أن يأخذ من حقوق المساهمين بهذه الطريقة الجشعة كما يحصل من أصحاب المساهمات العقارية لدينا ولذلك فإن الجهات المختصة مطالبة بالتدخل لحماية المدخرين وفرض اسلوب استثمار عادل لا يبخس حقوق الآخرين. 3 - لم يكتف أصحاب المكاتب بالممارسات السابقة ولكن بعضهم ابتدع اسلوبا جديدا اسوأ من الاسلوب السابق، وهو أن يشترط على المساهم بان ليس له في الحصول على أكثر من نسبة معينة من الأرباح «بمعنى أنه يوضع سقف أعلى للأرباح للمساهم» وما زاد عن ذلك السقف يذهب إلى راعي المساهمة «أين الحرص على أموال المستثمرين الذي يدعون والخوف من الله في التعامل مع حقوق الآخرين؟» بل الأغرب من ذلك انني وخلال مناقشتي لهذا الموضوع مع أحد السماسرة رأيته يدافع عن هذا الاسلوب الجشع بأن المساهم ليس مجبرا على الدخول بهذا الاستثمار اذا لم يقبل به، من وجهة نظري ان المساهم ولأن له مبلغاً صغيراً بالنسبة لحجم المساهمة فانه في الموقف الأضعف الذي لا يسمح له بالاعتراض على هذا الشرط الباطل، لأن قبوله بهذا الشرط يعتبر قبولاً بشرط اذعان في لغة القانونيين بين طرف قوي وطرف ضعيف. 4 - بالاضافة إلى ما تم الاشارة اليه من بخس لحقوق المساهمين وحصولهم على رؤوس أموالهم وارباحها المنقوصة وهذا في حالة ان سارت المساهمة ولله الحمد بشكل طبيعي وتمت تصفيتها والتهم بطل المساهمة النصيب الأكبر من نتائج هذه المساهمة، ولكن الأمر الاسوأ والامر ان بعض المساهمات تبقى معلقة لسنوات طويلة وبعضها بفعل فاعل من رعاة المساهمات وبعضها تعترضها ظروف خارجية بسبب سوء وعدم كفاءة في إدارة المساهمة التي لم تتحقق من بعض الجوانب مثل ملكية الأرض او عدم القدرة على التسويق أو سوء اختيار الموقع.. الخ. 5 - هناك جانب آخر ومهم جداً في هذا الموضوع بل انه يعتبر الأهم وهو أن الأموال والمدخرات للمساهمين التي تقدر بمئات الملايين «واحيانا الاف الملايين» من الريالات والتي أودعت في حساب المساهمة من أجل غرض محدد في حساب المساهمة لشراء الأرض أو تطوير مشروع تصبح بقدرة قادر تحت تصرف راعي المساهمة يتصرف بها كما يشاء وكأنها من أمواله الخاصة، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة كيف ضاعت هذه الأموال بحسن او بسوء نية من تصرفات رعاة المساهمات وذلك باستثمارها في مشاريع أخرى داخل أو خارج المملكة وبالطبع فان ارباح توظيف تلك الأموال لن تذهب للمساهمين الذين يصل بهم الأمر إلى درجة يدعون الله فيها للمحافظة على رؤوس أموالهم أو جزء منها في أحوال أخرى، بعد أن وضعوا ثقتهم في أناس توخوا فيهم الخير ولكن خابت تقديراتهم فكانت الطامة الكبرى.الخلاصة ان الجهات الرسمية المختصة والمستثمرين يجب أن ينتبهوا عدة جوانب في هذا الأمر، منها ألا تطرح المساهمة على المساهمين الا بسعر الشراء الحقيقي، الامر الثاني ألا يشترط راعي المساهمة سقفاً أعلى للربح. الأمر الثالث والأهم هي أن تودع الأموال في البنوك ولا يحق لراعي المساهمة التصرف بهذه الأموال الا لاغراض المساهمة فقط ويمنع أن يسحب اي مبلغ صغيراً كان أو كبيراً الا لمصاريف تخص المساهمة وقد يكون من الأفضل أن تنشأ صناديق لأغراض المساهمات العقارية في البنوك يديرها راعي المساهمة ونخبة من المساهمين وتحت اشراف البنك الذي يتأكد من أوجه الصرف مقابل رسوم معينة، كما ان عوائد استثمار أموال المساهمة خلال فترة الاكتتاب او الفترة التي تسبق تسليم بائع الأرض لقيمة الأرض تكون من حق المساهمين اما اذا كانت المساهمة لتطوير مشروع فان عوائد الاستثمار تبقى حتى انتهاء المشروع من حقوق المساهمين بما يزيد من أرباحهم المشروعة وعدم ذهابها إلى غير أصحابها.