في الفترة الماضية توفي شخصان من أبرز المراسلين الصحفيين في العالم وللأسف كانت وفاتهما في منطقة الشرق الأوسط -بؤرة الصراعات التي لا تهدأ- وبالتحديد في سوريا!. ولنبدأ بأنتوني شديد (43 عاماً ) المراسل الأمريكي من أصل لبناني والذي توفي على الحدود السورية التركية وهو يحاول الخروج من سوريا! والمفارقة أنه لم يتوفَّ بقذيفة أو انفجار وإنما جراء نوبة ربو شديدة أوقفت أنفاسه ليصبح أنتوني – كما كتبت صحيفة الشرق الأوسط – خبرًاً بعد أن كان هو يلاحق الأخبار!!. أنتوني غطى الكثير من الصراعات كحرب العراق 2003 وحرب إسرائيل على لبنان عام 2006 ومن ثم مضى يغطي الثورات العربية من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سوريا محطته الأخيرة!!. عندما قرأت سيرة أنتوني أعجبت بجرأته وشجاعته ولكن ما لفت نظري أكثر هو أن أنتوني حرص أثناء تغطيته للحروب والصراعات..أن ينقل تأثير هذه الصراعات والأحداث على حياة الإنسان العادي الإنسان البسيط الذي تغيب حياته ومصيره عن حسابات مشعلي تلك الحروب! وبالفعل نقل لنا قصصا إنسانية عن هؤلاء البشر المتورطين وبغير إرادتهم في حمى الفوضى والصراع! يقول عنه جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأمريكي والذي كرم "أنتوني" في عام 2007 : "وفيما كان الصحافيون الآخرون يفضلون مرافقة القوات الأميركية طلباً للحماية والرواية الرسمية كان شديد يلجأ إلى حماية الناس الذين يرافقهم وينقل قصصهم، سواء كان الحدث في العراق أو لبنان أو سوريا. وبالنسبة له لم يكن العرب مجرد أدوات لا وجه لها أو أرقام تضج بها قوائم الوفيات والضحايا بل كانوا أُناساً حقيقيين بمخاوفهم وآمالهم وقصصهم التي يتوقون إلى سردها!!".. وبعد أسبوع واحد فقط في سوريا أيضا وعلى إثر انفجار،توفيت الصحافية والمراسلة ماري كولفين (56 عاما). توصف ماري بشجاعتها وصلابتها وأيضا لعل مما ميزها قطعة القماش السوداء التي تضعها على عينها اليسرى! وكانت ماري فقدت عينها هذه أثناء انفجار في سيرلانكا عام 2001 وهي تقوم بتغطية الحروب الأهلية هناك! المفارقة أنها كانت تنوي مغادرة حمص فبل وفاتها بيوم واحد إلا أنها أصرت على البقاء يوماً إضافياً آخر لكي تنقل قصة أو مأساة جديدة من المآسي هناك! لتكون أيضا هي في ذلك اليوم تنقل للعالم قصتها الأخيرة! ولعل دافع ماري كما أنتوني هو نقل تلك القصص المروعة والمآسي التي تحدث أثناء الحروب والاضطرابات والكشف عنها لعل الضمائر تستيقظ! . أفكر كثيرا في حياة ماري وحياة أنتوني وغيرهما من المراسلين والصحفيين الذين قضوا نحبهم أو حتى الأحياء منهم، أي شجاعة يملكها هؤلاء! أي شجاعة وقوة احتمال يملكونها هم وحتى ذووهم وهم يعرفون أنه في كل مرة يودعونهم في مهمة ما..ربما يكون هذا هو الوداع الأخير الذي لا لقاء بعده!. نحن مدينون كثيرا لهؤلاء الصحفيين..هم يحملون سلاحا هو الكاميرا..الخبر..هذا السلاح الذي يحملونه في وجه الزيف والظلم والشر!. شكرا ماري..شكرا أنتوني..فقد حاولتما بشجاعتكما أن تجعلا عالمنا أقل توحشاً!!.