لا شك في أن شريعة الاحتساب واجب شرعي ولا خلاف في ذلك إن صح استخدامها لهدف نبيل بغية تحقيق مقاصد الشريعة السمحاء... "ولكنْ" هل باب الاحتساب مفتوح على مصراعيه لكل أحد؟ أم أن هنالك ضوابط شرعية ومقومات لمن يريد الاحتساب لوجه الله تعالى؟ بكل تأكيد هنالك ضوابط أقرها الشرع ويجب أن يعمل بها كل من أوكل بهذه المهمة وتحمل مسئوليتها، وفق خصائص وصفات معينة كأن يكون من الثقاة المعروف عنهم وسطيتهم واعتدالهم وعمق علمهم الشرعي لا أن تترك باباً للاجتهاد غير المنضبط لكل من يريد التخريب والإساءة للدين تحت عباءة الاحتساب...! منذ سنوات عدة كتب الكثيرون عن مشاكل بعض المحتسبين "الرسميين وغير الرسميين" وتجاوزاتهم ولم تلقَ كلماتهم آذاناً صاغية، بل هذا التجاهل من قبل المؤسسة المعنية "سابقاً" وفرض الرأي والسلطة بالقوة من قبل فئة معينة أخرى خارجها تدعي الدين سبب تصادماً مع أفراد المجتمع وأفرز هذا الاحتقان تجاه جهاز الحسبة وهو يحمل أعظم شعيرة، والسبب أنها تركت في الغالب لتقوم على اجتهادات فردية من بعض المتحمسين أو غير المتخصصين بالعلم الشرعي فأغلبهم شباب صغار أو متعاونون يحتسبون على مزاجهم، فأصبح إنكار المنكر ينحصر أكثره في مسائل الاختلاف أو الخلاف الشخصي وأساء بعض هؤلاء لهذه الشعيرة تحت مظلة البحث عن الفضيلة أو المصلحة الشخصية أو الحزبية بأي وسيلة كانت ومن أي شخص كان لمجرد أنه يختبىء تحت عباءتها، وفي المقابل لا ماتت الرذيلة وتحققت الفضيلة المنشودة بمعناها المطلق ولا عاش المجتمع بالطريقة التي يقبلها أفراده ويتفق عليها الجميع تحت مظلة الدين وثوابته بدون عراك وشجار وإهانة للآخرين...! فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس وسيلة لإشاعة الفوضى وإقامة الغزوات لتحارب بها الآخر أو كل من تختلف معه ولا يوافقك الرأي أو لا ينتمي لنفس فكرك وتيارك...! نحن لا نريد أي شيء يفرق ولا يجمع، أو يسيء للدين مستغلاً عباءته حتى يجد وسيلة للتخريب وزعزعة الأمن والاستقرار ولحمة هذا الوطن... أُذكّر هؤلاء بقول الله عز وجل: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وأذكّرهم بقوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فمخاطبة الناس أياً كانوا بهدوء وروية وببشاشة بعيداً عن التعصب، والابتعاد عن مسائل الاختلاف الفقهي، وإقناعهم بالدليل الشرعي البسيط من أسهل الطرق لتليين القلوب والرجوع إلى الحق... الأحاديث في أهمية الاعتدال والاتزان في باب الاحتساب كثيرة، وقد قال رسولنا الكريم الكثير في مسائل اللين والرفق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبرزها قوله صلوات الله وسلامه عليه، كما جاء في الحديث: "ينبغي لمن أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه"... وقال سفيان الثوري رحمه الله: "يؤمر بالمعروف في رفق، فإن قَبِلَ منك حمدت الله عز وجل وإلا أقبلت على نفسك"...؟ أيضاً فقد بيّن الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الأسلوب الأمثل في الاحتساب على من يُخشى عليه الإخلال بالإخلاص فقال في إحدى رسائله رحمه الله: "فإذا خاف أحد منكم من بعض إخوانه قصداً سيئاً فلينصحه برفق وإخلاص لدين الله وترك الرياء والقصد الفاسد ولا يفل عزمه عن الجهاد ولا يتكلم فيه الظن السيئ وينسبه إلا ما لا يليق". ما نشاهده الآن، لا يقبله العاقل المتزن، وما يحرض له البعض من المتطرفين والغوغائيين لا يرضاه الله ورسوله، فهل من يحتسب بدون ضوابط يعتبر نفسه ينهى عن منكر ليأمر بمعروف أو ينهى عن منكر بمنكر؟