العالم العربي في «صيفه» القاسي الراهن لم يدخل في هذا «الصيف» لأن مرحلة «تطور» أخذته إلى ذلك.. لكن مراحل سوء إدارة حكم ومعها سوء معالجة لأوضاع المجتمعات بما يتضمنه ذلك من شمولية فقر وتعدّد مسببات خلافات هي ما وضعه في قسوة هذا الصيف.. بدأت قديماً بأكاذيب عدالة ووعود خيال بسيادة شمول للعرب، وليس فقط لذات دولة واحدة، لكن انتهى الأمر بما تسنده الحقائق في الحاضر العربي.. سوريا مثلاً.. كانت أكثر الدول العربية تبكيراً بتجديد مجتمعها بعد الاستعمار الفرنسي بأحلام سيادة وتوحّد عربي، وكانت أقوى الواقفين ضد إسرائيل وعرفت في البداية موضوعية تعاقب رئاسات الحكم، إلا أن الفترة السابقة لمرحلة حكم حافظ الأسد شهدت توالي انقلابات عسكرية أضعفت من الواقع السوري، ثم إلى انقلاب حافظ الأسد، وكان الرجل أكثر موضوعية في بداياته مما كان عليه الحال قبيل وفاته.. أوجد الاستقرار المستمر بعد تلك الانقلابات المتلاحقة لكنه أسس لانفرادية حكم شخصي وهيأ لذلك ابنه الأكبر الذي فقد الحياة في عصر والده إثر حادث مروري، ثم أنهى الحكم إلى ابنه بشار الذي هيمن بأقلية سكانية على الكل الاجتماعي وفرضت عزلة لدمشق الهامة في كثير من امتيازاتها قبل ذلك.. وكانت هناك ملاحظة بارزة تخص الوضع الفلسطيني وهي أنه لم يحدث إطلاق رصاصة واحدة بين سوريا وإسرائيل على مدى ما يقارب الأربعين عاماً، ثم التعامل مع أقلية المقاومة الفلسطينية، وانتهى الأمر بسوريا إلى ما هو مفزع الآن من إراقة دماء.. وليس صحيحاً ما يشاع بأن حزب البعث هو مَنْ يحكم سوريا، حيث إن وجود البعث انتهى بهجرة ميشيل عفلق إلى العراق في عصر صدام حسين.. فمَنْ يحكم سوريا الآن هم أقلية مذهبية وليست حزبية.. نفس الشيء يقال عن العراق، وأيضاً إذا كان عبدالناصر قد أوجد عصراً خطابياً مليئاً بخياليات الأحلام فإن عهده قد انتهى بأبشع هزيمة لم تكن تحلم بها إسرائيل.. إسرائيل التي كانت قبل تلك الحرب تحلم بالوصول إلى سلام مع العرب حتى ولو تخلت عن بعض ما احتلته، لكن وقد وجدت نفسها بعد تلك الحرب تستولي على مسافات أكثر أدارت ظهرها لأي محاولات سلام.. أيضاً نعرف كيف انتهت حياة مَنْ أتوا إلى الحكم بعد عبدالناصر.. السادات تم اغتياله، وحسني مبارك في السجن.. بما يعني أنه كان هناك بروز أشخاص لا بروز منهجية حكم وحضور اجتماعي.. خذ رموز الثقافة والاقتصاد في كل من العراق ومصر ولبنان وسوريا قبل الخمسين عاماً تقريباً وبين واقع الحاضر الراهن.. مواطننا في حاجة دقيقة إلى معرفة توالي حالات واقعه العربي وليس التعامل مع مظاهر الحاضر ويقارن كيف كان في الماضي وكيف هو الآن.. وأهم من ذلك حقيقة صارخة البراهين تعني أنه ليس بمعزول عن إمكانيات واقعه، ولكنه مطالب بوعي يقوده إلى موضوعية التعامل مع واقعه كي يجعل امتياز تفرّد إمكانياته تتقدم به إلى أمام أرقى رغم أنه يمثل الآن أفضلية عربية واضحة..