إن المعيار الأكثر نجاحا في أداء المؤسسات الإدارة الفاعلة للجودة، ويمثل مبدأ الشفافية مرجعية دعا إليها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في معرفة المشكلات، واقتراح حلولها. إننا أمام حالة الخطوط الجوية السعودية، التي تتردى فاعليتها ومستوى إنتاجيتها مع الزمن، التي لم تنجح في مواكبة تطور البلاد، إننا لا نستطيع أن نتجاوز مسألة الحجوزات غير المتوفرة، وتأخير الرحلات الذي أصبح ظاهرة سلبية، وارتفاع أسعار التذاكر، والسياسة التقشفية في الضيافة، وسط فوضى متفشية في أروقة الخطوط السعودية. من واقع مجريات الأحداث في عودتي من رحلة للمدينة المنورة، وبعد استمتاع روحاني زاد من روعته قدسية المكان، والعناية الفائقة التي حظي بها مرتادو البقاع الطاهرة، توجهت في العاشرة مساءً إلى المطار حيث موعد إقلاع الطائرة إلى الرياض 11,45. اتجهت وأبنائي إلى صالة المغادرة، وإذا بعربة متواضعة تهدي العصير والكعك الجاف لركاب "المدينة – الدمام" بسبب تأخرهم في الإقلاع، وفي الثانية عشرة اتجهت إلى الموظف للسؤال عن سبب تأخر رحلة الرياض، أجاب أنه ليس لديه أخبار عن سبب التأخير، أو موعد الإقلاع الجديد، وفي الثانية عشرة والنصف، بدأ الاعتذار بمكبرات الصوت عن تأخر رحلتي مصحوبة برحلة أخرى "المدينة - جدة" وسيتم الإعلان بشأنها لاحقا. ليصبح مجموع الرحلات المتأخرة ثلاث في وقت واحد. وبعد ساعة أخرى أعلن أنه سيكون الإقلاع الرابعة وخمس وأربعون دقيقة فجراً للرياض، والرابعة وثلاثون دقيقة فجراً إلى جدة. وبمجرد انتهاء الإعلان ركض الموظف إلى الداخل، من دون أن يجد الركاب مصدراَ للاستفسار عن سبب تأخر رحلاتهم. وفي محاولة يائسة توجهت إلى المدير المناوب للسؤال عن سبب التأخير، وطلب توفير مكان للراحة لمدة خمس ساعات قادمة، فأجابني بالرفض، وكان متأرجحا في حديثه بين سببين، الأول: أنه موظف في شركة سياستها لا تسمح بتوفير مكان للراحة إلا في حال التأخير لست ساعات، الثاني: عدم وجود الموظف المسؤول عن ذلك حاليا. أرجو ألا يظن القارئ أنها حالة فردية، فقد استمر الانتظار في حالة لا إنسانية حتى الخامسة وخمس وأربعين دقيقة فجراً، أما النساء - في المصلى - فبين مسنة افترشت الأرض لأخذ قسط من الراحة، وأخريات اتخذنه مأوىً لأطفالهن على الأرض في الجو البارد، مع شكواهن إلى الله، وإطلاق الدعوات على المتسببين في ذلك، والرجال الذين قضوا وقتهم في النوم على الكراسي، أو في المصلى. وقمة اللامبالاة من المدير المناوب حيث أبلغته عن شاب معوق جلس على كرسيه ومعه أخوه الصغيرو وخادمته التي لا تستطيع إدخاله للمصلى ليأخذ قسطاً من الراحةو أخذ يصدر أصواتا طوال الخمس ساعات تدل على إنهاكه وطلبه للراحة. وفي السادسة صباحا، تم الإقلاع في طائرة بديلة، خلت مقاعدها إلا الربع من الركاب، ليكون مجموع ساعات التأخير ست ساعات. كثير من الأسئلة معلقة أمام صمت المسؤولين في ذلك القطاع، الذين وضعوا مبدأ الشفافية جانباً، وتركونا نهباً لمظاهر التخلف واللاإنسانية. إن ما يجري في المطارات يجعل المواطن يتساءل (ماذا يفعل المدير ونائبوه التسعة والعشرون ؟؟!!) طالما طالب المواطن بتحسين مستوى الخدمات، والمعاملة الإنسانية للركاب. رسالتي إلى المسؤولين في الدولة بالضغط على الجهات الرقابية لأداء دورها بشكل أكثر فاعلية، حيث إن شاغلي المناصب يجب أن يتعرضوا للتقويم بشكل دوري متى ما كانت إنتاجيتهم لا تواكب المطلوب. إن الوضع لدى الناقل الوطني الوحيد مخيب للآمال، وإن قائمة السلبيات لا يتسع لها هذا المقال، والقضية وطنية في المقام الأول، حيث يحق لأي مواطن أو راكب تعرض لسوء معاملة معرفة ما يدور، مطالبا بالشفافية في المعلومات. عندما يولد أكثر من ناقل جوي وطني بمميزات عالية الجودة، تنافس الشركة العجوز، ستعيد هذه الشركة حساباتها، وستعلم أن للإنسانية قيمة كبرى لا تقدرها خطوطنا المحترمة.