في التاريخ الإنساني، شخصيات بارزة ساهمت بدور فعال في حياة الأمم والشعوب وحجزت مكانها مبكراً في سجل التاريخ الخالد بعد أن سجلت اسمها بماء الذهب على صفحاته الخالدة المشرقة . وبالطبع، لم تكن مسيرتها لتحقيق هذه الغاية سهلة، ولم يكن طريقها ممهداً ومفروشاً بالورود، وأكثر من هذا لم تكن تلك الشخصيات تسعى لما حققته من مجد وشهرة وتخليد في أذهان الآخرين، بل أعمالها وإنجازاتها وطموحها وآمالها وأحلامها من أجل خير شعوبها، ورفاهيتها وراحتها وأمنها واستقرارها ورخائها، هي التي أهلتها لتلك المكانة المرموقة في وجدان الشعوب. ومن بين أولئك الذين أهلهم عطاؤهم وطموحهم وإنجازهم وإبداعهم وقلبهم الكبير بحجم هذا الوطن الشاسع المعطاء، وحبهم لنا، لحفر أسمائهم في ذاكرتنا، ونقشها في وجداننا، وطبعها على جبين الوطن، يأتي سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وزير دفاعنا اليوم وحامي حمانا والمنافح عن عريننا، الذي عمل بجد منقطع النظير واجتهاد ونكران ذات منذ صباه يوم تسلم دفعة العمل الوطني في إمارة الرياض للمرة الأولى، رياض الخزامى العابقة والنهضة الحديثة الشامخة، في الخامس والعشرين من شهر شعبان عام 1374ه (ابريل عام 1955م). فقضى ثلثي حياته الحافلة بالعطاء والإنجاز والإبداع، يمارس الحكم فيها، جامعاً بين الشريعة الإسلامية والقانون والأنظمة، واهباً إياها كل وقته وتفكيره وعقله، يحلم لها ويفكر من أجلها، ثم يخطط ويتابع التنفيذ بهمة الرجال وطموح الأبطال، ليس من كرسي الحكم الوثير، بل من خلال جولات ميدانية في الحر والبرد، في الليل والنهار داخل الوطن وخارجه .. كله يهون من أجل معشوقته الرياض التي اقترن اسمه بها، فلم يعد أحدهما يعرف بغير الآخر .. الرياض التي يقول عنها فارسها ومهندسها، وباني نهضتها، وصانع مجدها سلمان : (فيها ولدت وترعرعت وتربيت على يد الملك العظيم الذي غرس في قلبي وقلوب أبنائه حب الوطن، ولهذا كنت سعيداً بعملي أميراً لمنطقة الرياض.. كان شعوري كمن يعمل راعياً لبيته، يهمه أن يكون أجمل البيوت وأنظفها، وأن يتميز بالأناقة والرشاقة والوجاهة.. كانت الرياض في خيالنا شيئاً كبيراً، ولهذا كانت أحلامنا وطموحاتنا لها كبيرة جداً، وكان عملنا شاقاً لأننا نبني بيتنا). وصحيح.. كلنا نعلم جهود سلمان من أجل الرياض، ونرى بصمته واضحة للعيان في كل إنجاز وإبداع من عمران وتنظيم وترتيب للحياة فيها، لكن ما قد يجهله بعضنا أن مساحة الرياض يوم تسلم سلمان دفة إمارتها، لم تكن تزيد عن خمسة وعشرين كيلومتراً مربعاً في أحسن الأحوال، ولم يكن عدد سكانها يتجاوز المائة وستين ألف نسمة على أحسن تقدير، ويوم ترجل عنها مهندسها وصانع نهضتها، من دكاكين دخنة إلى مركز الملك عبد الله المالي ليتولى وزارة الدفاع، بلغت مساحتها 1782 كيلومتراً مربعاً، فيما تجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة.فأصبحت بذلك أسرع المدن توسعاً في العالم، ويؤكد هذا مهندسها سلمان نفسه حين يقول: (عاشت الرياض وهي صغيرة، تسكنها بصفة آلاف من السكان الذين يمتهنون الزراعة والتجارة المحلية وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى، تسجل حضورها في كل المحافل الدولية بمداد من العز والفخار، إذ هي عاصمة المملكة العربية السعودية، وتمثل مركز قرار في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي). أجل .. تلك هي رياض الشموخ في حياة سلمان الذي لم يكن يتخيل نفسه بعيداً عنها حتى لو يكن موجوداً فيها، لأنها تمثل له الوطن والتاريخ الماضي والحاضر الزاهر والمستقبل المشرق والأمل الكبير. غير أن ما حققه سلمان من إنجاز وإبداع للرياض، لم يقتصر على الشجر والحجر فحسب، بل تجاوزه للإنسان الذي تمحور حوله جهد سلمان، واستحوذ على عقله وتفكيره، وسعى بكل ما أوتي من قوة وسعة حيلة لتحقيق رخائه وتوفير أمنه واستقراره. إذ يكفي أن تعلم، أيها القارئ الكريم، أن سموه يرأس ما يزيد عن ستين لجنة وهيئة خيرية وتنموية تمارس عملها ومهماتها داخل المملكة وخارجها فتنشر الخير في كل مكان فليس عجباً إذاً أن ينال هذا الرجل الكبير الذي تخرج في جامعة الحياة ثم أصبح جامعة تنهل الأجيال من معينها، العديد من الأوسمة والأوشحة والنياشين، تقديراً لجهوده وإسهاماته الفعالة في مختلف النشاطات الإنسانية، ودعمه للمؤسسات الخيرية، ونصرة الإسلام والمسلمين، والارتقاء بمستوى الثقافة الإسلامية وتحسين مفهموها، والتزامه بدعم التعليم، وإسهاماته في مجال العلوم، وتميزه كرجل دولة مشهود له عالمياً بالكفاءة والقدرة والكفاية والعدل. أما كيف نجح هذا الرجل الكبير لاحتلال تلك المكانة السامقة في وجداننا، وفي ذاكرة كثير من شعوب العالم، فلأنه جعل كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نبراسه الذي يهتدي به في كل شؤونه، متلمساً خطى والده المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، وأسلافه الكرام في حفظ الحقوق ورعاية الوطن والمواطن. فنشأ باراً بوالديه، شديد الثقة بربه، صادق التوكل عليه، مهتماً بحفظة كتاب الله، له قدرة هائلة على الصبر والاحتساب وتحمل الشدائد، مثابراً لا تفتر له همة، ولا تلين له قناة، راجح العقل، نافذ البصيرة، محباً للتاريخ والعلم موقراً للعلماء، واسع الاطلاع، قوي الذاكرة، يتمتع بالفراسة ودقة الملاحظة، له قدرة فائقة على معرفة الرجال وإنزال الناس منازلهم واحترامهم الأمر الذي يجذب إليه قلوب محدثيه. والحقيقة : تطول القائمة في وصف سموه الكريم لدرجة تعجز الإنسان عن حصر كل أوصافه ومناقبه ومحاسنه. ولهذا نجزم صادقين أنه استحق أن يوصف ب (أمير كل الخصال الكريمة والصفات الطيبة الحميدة) غير أن التزامه الثابت بالمواعيد ودقته في احترام الوقت قد أدهشت الجميع. وقد سمعت في هذا شيئاً عجباً، إذ قيل لي: (... عندما يكون سموه الكريم مرتبطاً بموعد لحضور مناسبة ما، يرسل أحد الأشخاص الموثوقين إلى موقع المناسبة قبل الموعد بوقت كاف، ليحدد لسموه الكريم الوقت الذي يستغرقه الطريق من مقره إلى موقع المناسبة). فأي إدراك لقيمة الوقت والحرص على استغلاله من أجل خير الآخرين بعد هذا، وأي احترام للناس بعد هذا؟! وإن كان الحزن قد سكننا بالأمس لفراق الراحل الكبير، سلطان الخير، فلنفرح اليوم لمقدم سلمان الذي جاءنا يحمل سجلاً حافلاً من العمل والإنجاز والإبداع، وسمعة مشرفة في الإدارة والإتقان. وعلى كل حال، يكفي سموه الكريم فخراً أن فقيدنا الكبير كان يناديه : (يا سمو الوفاء ووفاء السمو) فكلنا ثقة واطمئنان أن سلمان سوف يقود السفينة إلى بر الأمان على هدي سلطان، كما وعدنا في أكثر من مناسبة، داعين له أن يديم الله عليه الصحة والعافية، واثقين أنه سوف يكون عند حسن ظن المليك والمواطنين كما عهدناه دائماً.