لم تكن تلك المرأة من الدارسات في جامعات أوروبية وأمريكية، ولم تكن من حملة المؤهلات العالية ولا من طبقة هدى شعراوي، ولا من المناديات بحقوق المرأة، ولكنها توصف - على حد قول ابن بشر بأنها «ذات عقل ودين ومعرفة» وكفى بهذه الأوصاف شهادة على رجاحة عقلها، وبعد نظرها وصدق نصحها وأمانة مشورتها والمستشار أمين كما يقال. إنها الأميرة موضي بنت وطبان أو أبي وطبان من آل كثير من بني لام، زوج الأمير محمد بن سعود، أمير الدرعية في زمانه: (منتصف القرن الثاني عشر الهجري - القرن الثامن عشر الميلادي)، حينما كانت الدرعية امارة صغيرة من بين عدد من الإمارات الصغيرة المتجاورة والمنكفية على نفسها والمفتقرة إلى أبسط مقومات وجودها وبقائها ولم تكن أي من تلك الإمارات تطمح إلى بناء دولة، أو تنظر إلى ما هو أبعد من حدودها المهددة بسطوة الجيران وغلبتهم. وكان يسودها الجهل وتنتشر فيها الخرافات والبدع، والاعتقاد في قبور الأولياء والصالحين وزيارتها والنذر والذبح لها ولبعض الأحجار والأشجار على حد ما يقرره مؤرخو ذلك الزمان. وحينما أراد الله سبحانه وتعالى الخير لهذه البلاد، شرح صدر أحد فتيانها النجباء، وألهمه ربه عقيدة التوحيد، ومعرفته ومعرفة نواقصه وما وقع فيه كثير من الناس من الافتتان بتلك البدع الضالة التي أنكرها ذلك الفتى أشد الانكار، ووطن نفسه على محاربتها والدعوة إلى أفراد الله وحده بالعبادة دون سواه. لم يكن ذلك الفتى سوى الشيخ محمد بن عبدالوهاب إمام الدعوة السلفية ومجدد القرن الثاني عشر. لقد أعد الشيخ نفسه لهذا الأمر منذ فجر صباه، فخرج رحمه الله في رحلة علمية قادته إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة فالبصرة والأحساء، وكاد ان يذهب إلى الشام لولا قلة ذات يده، فعاد إلى مسقط رأسه بالعيينة، وابتدأ دعوته فيها، وكاد ان ينجح لولا أنه أخرج منها بضغط من أمير الأحساء على أميرها - حينذاك - عثمان بن معمر، فهاجر الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية، ونزل متخفياً على أحد أعيانها، وهو عبدالله بن سويلم وابن عمه حمد بن سويلم، فخاف الاثنان من عاقبة استضافتهما للشيخ لو علم به الأمير محمد بن سعود من تلقاء نفسه، وخاف أنصاره عليه من استثارة الأمير واستعدائه عليه من بعض خصومه، وقرروا رفع الأمر إليه، ولكنهم هابوه، فأتوا زوجته موضي الكثيرية، وأخيه ثنيان وكان ضريراً فاطلعوهما على مكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه فوقر في قلبيهما معرفة التوحيد ومحبة الشيخ فلما دخل الأمير محمد بن سعود على زوجته موضي أخبرته بمكان الشيخ، وقالت له: «إن هذا الرجل ساقه الله إليك، وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به فقبل قولها». وأراد ان يرسل في طلبه، ولكنها أشارت عليه بالاتفاق مع أخيه ثنيان الضرير بأن يسير إليه الأمير برجليه، ويظهر تعظيمه وتوقيره حماية له من أذى الناس إذا علموا أنه مكرم معزز عند الأمير، فسار إليه الأمير محمد بن سعود بنفسه بناء على تلك المشورة الحكيمة التي أشارت بها تلك السيدة العاقلة الفطنة، وقال للشيخ: «أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والتمكين» ورد عليه الشيخ بقوله: و«أنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين». فتوافق الرجلان، وتعاهدا على النصرة، وعملا معاً على نشر الدعوة واتساع الدولة فكبرت إمارة الدرعية واتسعت لتشمل نجداً كلها، وكبر منصب أميرها ليصبح الإمام محمد بن سعود، وكبر ملك آل سعود وانتشر على أقاليم شاسعة من الجزيرة العربية في زمن ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد، وحفيده الإمام سعود الكبير، ثم من بعدهما بمدة في عهد الإمام فيصل بن تركي رحمهم الله جميعاً، ثم كبرت الدولة واتسعت لتصبح المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ثم توطدت دعائهما وثقل وزنها لتصبح في عهدنا الزاهر هذا عضواً في دول العشرين على مستوى العالم، وفرضت مكانتها وقوتها واحترامها في مختلف الأوساط الدولية. حفظ الله المملكة العربية السعودية، وحفظ شعبها وقيادتها وزادها من العز والسؤدد والتمكين دائماً وأبداً وإلى يوم الدين. * عضو مجلس الشورى