جميل وحسن ما فعلته هيئة أبو ظبي للتراث والثقافة.. عندما قامت بترجمة كتاب الفيلسوف والأكاديمي الفرنسي»لوك فيري» والذي يحمل عنوان»تعلم الحياة..سأروي لكم تاريخ الفلسفة!». حاول «فيري» أن يبسط مفاهيم الفلسفة العميقة لعامة القراء..ويعرض الكاتب لتاريخ الفلسفة بدءاً من الفلسفة اليونانية القديمة وحتى وقتنا الحاضر..مرورا بالفلاسفة العظام الذين شغلوا البشرية بأفكارهم ورؤاهم حتى وقتنا الحاضر. وكان «فيري» قد قضى وقتا طويلا بالتدريس الجامعي وله عدة مؤلفات ولعل من أجمل ما يميز مؤلفاته اللغة البسيطة والبعد عن المصطلحات الجافة والمعقدة التي تنفر القارىء. ولعل هناك قبل تلك التجربة ..تجربة مشابهة عام 1991 للكاتب الأكاديمي أيضا النرويجي «جوستيان جاردر»في كتابه «عالم صوفي» والذي يحكي عن تاريخ الفلسفة من خلال رسائل بريدية تصل من مجهول إلى الطفلة»صوفي» وذلك إجابة على تساؤلاتها العميقة عن الذات والله والإنسان والكون!!. إذ يبدأ التوتر والتشويق منذ بداية الرواية مع استلام الطفلة»صوفي» لرسالتين غامضتين في صندوق بريدها فيهما سؤالان فقط «من أنتِ؟»، و»من أين جاء العالم؟»، وبعد ذلك تبدأ سلسلة الرسائل التي تحوي دروساً في الفلسفة. وقد حقق نجاحا كبيرا وإقبالا من القراء منقطع النظير ومن مختلف دول العالم ، إذ ترجم الكتاب إلى أكثر من 53 لغة. وقد عبرت الصحف عن هذا الإقبال الكبير..بأن «جاردر» لعب اللعبة بذكاء وقد استطاع أن يمسك بأصول الفلسفة وبحرفية عالية وفي نفس الوقت كسب حب القراء للفلسفة وتاريخها!!. مثل هذه التجارب تلقى احتفاء من العالم وتسلط الأضواء عليها وتعيد إحياء الفلسفة التي يعتقد البعض بموتها وأن ليس لها مكان أو حضور في وقتنا الحالي. فالمقابل لازال لدينا برغم كل شيء قطيعة وخوف من الفلسفة. بل وتحذير لأبنائنا منها!!. وكنت قد اقتنيت كتاب «لوك فيري» وهممت بإعارته لإحدى الزميلات فإذا بها تنفر منه وتقول أخشى أن أقرأ الكتاب فيؤثر على ديني!!. وكم أشعر بالألم من هكذا تفكير فالفلسفة تدرس في مختلف دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية، ولم يخرج علينا أحد ويقول إن الفلسفة أخرجته من دينه!!. كم يفقد الشخص الكثير من المتعة واللذة العقلية بعدم قراءته لمثل هذه الكتب!. ومتى يا ترى ننهي تلك القطيعة بيننا وبين الفلسفة!!. **إضاءة: يقول أحدهم:»القليل من الفلسفة يبعدنا عن الدين، والكثير منها يقربنا من الله!».