يمر عام على 25 يناير. إنه أحد أعياد مصر في القرن الواحد والعشرين. هذا ما سيقوله بعض من سكن الميدان قلوبهم وخيالاتهم بعد سنوات.لكن سيتحول عند المؤرخين والمحللين إلى حدث في كتاباتهم. حدث لعله حمل الكثير كما أنه سيكون عتبة لنهاية عصر وبداية آخر.. وجوه كثيرة بعضها كان صارخاً بشعاراته، وبعضها سقط برصاصة! هناك وجه لم يعرف ماذا يحدث في الميدان رغم أن شقته تطل عليه. جاء ثالث يوم عائداً من أمستردام . رجل جبل بشعر رمادي يتطاير وقلب بريء مبتسم . إنه شخصية اعترضت طريق أحد أبطال ألف ليلة وليلة. ربما لم تره أليس في رحلة العجائب. إنه بيار سيوفي. من أصل عراقي عاش في مصر. هواياته كثيرة. لا تبدأ بالتمثيل ولا تنتهي بجمع العاديات.. حينما عاد من بلكونته أطل ليرى ما يحدث فوجد نفسه في قلب الميدان. ويكمل ذلك روجر كوهن حين وضع بورتريه في النيويورك تايمز عنه . "تصور سيوفي عند مكتبه غير المرتب، كالقبطان عند دفة سفينة تتقاذفها العاصفة، وهو يمد يده إلى علبة الثقاب السويدية مشعلاً سيجارة مارلبورو ثانية، وملوحا بيده لمجموعة من "أولاد الفيسبوك" (كان دائماً يدعوهم كذلك)، ومعهم أجهزة الحاسوب المحمولة، مرتدين القمصان قصيرة الأكمام التي تحمل عبارة "في المشمش" (بمعنى لن يحدث أبداً)، باحثاً عن شعلة في الكومة المكدسة حول زجاجة من خل "ميلي"، ناظراً إلى خزائن كتب خشبية مؤطرة بزجاج، وفيها كتب مجلدة بما فيها "الموسوعة الكبرى"، متناولاً في طريقه وعاء آخر من حساء العدس، وهو يكتب رسائل إلى العالم على سطح مكتب حاسوبه، وهو يحث، ويرحب ويضحك. لم يكن في شقة السيوفي أبداً أقل من 40 شخصاً، وأحياناً أكثر من ذلك بكثير: في الخارج على الشرفة بالمشهد البانورامي الذي تعرضه (والصبار الملتف)، وفي غرفة الكمبيوتر حيث قام الأولاد بإدارة التنسيق على الفيسبوك (غالباً صوت ليد زبيلين)؛ في المطبخ حيث لم يندر فيه وجود الغذاء بطريقة ما؛ شاقين طريقهم عبر الأروقة الشبيهة بالمتاهات أسفل رسوم مؤطرة بطلاء ذهبي معلقة في كل الزوايا؛ متابعين التلفاز من خلال سحب الدخان؛ محاولين عدم الدوس على "أوليف" القطة، أو الكلبين المصنوعين من الترتر، "كوكيت" و"بابو"، أو على امرأة ملتفة مع كاميرا الفيديو خاصتها على واحدة من الفرشات العديدة المنتشرة على أرضيات الباركيه: كلهم يخططون ويصلون، وأحياناً يغمغمون لدى رؤية الجماهير الضخمة: "يا إلهي". ويسكن سيوفي في البال وفي المجاز.. "بيعمل نفسو بطيخة حولا.. عشان مسرح الأوادم وما نفعش .. بيعمل نفسه كرتونة متضايقة عشان سينما نظيفة وما نفعش.. ماشي يبص والزوايا بتكتم ضحكتها في بلكونات الهموم/قرف ملموم.. /نزل خواجة، وعاش أراجوز، ومستني يموت برسيم.."* *مقاطع من قصيدة في ديوان"جوانا..ميدان" مشترك لهاني ثروت وأحمد الواصل يصدر عن دار العين 2012.