قال صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية؛ إن هذه الدولة المباركة قامت على المنهج السلفي السوي منذ تأسيسها على يد محمد بن سعود، وتعاهده مع الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله-، ولا تزال إلى يومنا هذا بفضل الله وهي تعتز بذلك، وتدرك أن من يقدح في نهجها أو يثير الشبهات والتهم حوله فهو جاهل يستوجب بيان الحقيقة له، وهذه الدولة ستظل -بإذن الله- متبعة للمنهج السلفي القويم، ولن تحيد عنه، ولن تتنازل فهو مصدر عزها وتوفيقها ورفعتها. جاء ذلك خلال رعايته لندوة (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) والتي أقيمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤخراً. فقد جاء تأكيد سمو الأمير نايف على تمسك المملكة بالمنهج السلفي السوي، وستظل متبعة لذلك ولن تحيد عنه.. وللحديث عن السلفية ومعرفتها عن قرب.. وهل هي منهج شرعي متأصل أم حالة استجدت مع الأحداث الأخيرة في العالم العربي والإسلامي.. التقت "الرياض" بعدد من المتخصصين والمهتمين لتسليط الضوء بشكل أعمق على منهج السلفية. د.السعيد: ليست حزباً أو تكتلاً سياسياً غطاؤه الدين منهج متأصل بداية أكد "د.عبدالعزيز بن محمد السعيد" -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أن السلفية نسبة إلى السلف الصالح وهم الصحابة رضوان الله عليهم، الذين ورثوا النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل والدعوة والمنهاج والشرعة، ثم التابعون لهم على طريقتهم. وقال:"إن السلفية ليست حزباً، ولا تياراً، ولا حركة، ولاطائفة مخصوصة بمكان أو زمان، وليست تكتلاً سياسياً غطاؤه الدين، وليست تعتمد أو تنفرد بأصول تتجاوز أصول الإسلام أو تخالفه، بل السلفية هي دين الله الذي ارتضاه لعباده إلى قيام الساعة، بجميع شرائعه في التوحيد والإيمان، والصلاة والزكاة والصيام والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي العلاقات والحقوق، والمعاملات، والسياسات، وغيرها، بحقائقها وحدودها وشرائطها فهي الإسلام كله، وهي وحدة لا تفرق فيها. وأهلها هم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وأهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، وأهل الأثر والسواد الأعظم، والغرباء، وجماعة المسلمين. د.الفهيد: تحقق الطمأنينة في المجتمع بوحدة الكلمة التقسيمات محدثة وأضاف "د.السعيد" أن تقسيم السلفية قول محدث، لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن أحد من سلف الأمة وعلمائها، مشيراً إلى أن التقييد للسلفية إما أن يكون تعريفاً، وإما أن يكون تخصيصاً وتفضيلاً للمقيَّد على ما سواه، وإما أن يكون تحزباً وتعصباً، فإن كان الأول فقد تقدم طرف من أوجه رده وإبطاله، وإن كان الثاني فباطل لعدم الدليل، وإن كان الثالث فأدلة وجوب الاجتماع والنهي عن التفرق قاطعة بحرمته، موضحاً أ جانب من حفل افتتاح ندوة السلفية برعاية سمو ولي العهد ن تقسيم السلفية تفريق للدين، وتفرق فيه، وهو من محرمات الذنوب، وطرائق أهل الأهواء المذمومة، والأدلة القطعية توجب الاجتماع وتنهى عن التفرق والاختلاف، وتجزئة السلفية تفرق في الدين فكان مشمولا بالأدلة المحرمة للافتراق. د.القريوتي: وقفت أمام الفكر التكفيري المنحرف.. دين الحق وقال "أ.د.عاصم بن عبدالله القريوتي" -من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- إن السلفية هي دين الإسلام الحق، وبناءً على ذلك فلا تقتصر الدعوة إليه على وقت محدد، بل يجب تبيان حقيقة دين الإسلام وما يُلصَق به زوراً وبهتاناً من أمور ومسائل سواءٌ أكانت في جوانب عقدية أم سلوكية أو غير ذلك، مشيراً إلى أن الدين الحق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأما ما أُدخِل فيه؛ فليس من الإسلام لأن الله أكمل دينه لما قال:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، كما تَكمُن أهميَّة لزوم الرجوع إلى فهم السلف للكتاب والسنة أن سبيلهم واجب الاقتداء لقول النَّبِيّ صلى اللّه عليه وسلم:"خَيْرُ النَّاسِ قَرْني ثُم الَذيِنَ يَلُونَهُمْ ثُمَ الَذِينَ يَلونَهُمْ" متفق عليه. ليست مرحلة وأضاف "د.القريوتي" أن هذه الخيرية عامةٌ تشمل المعتقد والنهج والسلوك والفهم والعبادة وكل صفات الخير والثناء، ونهج السلف نهجٌ يلزم الاقتداء والاهتداء به في كلِّ حينٍ، وليست مرحلةً زمنيةً مباركةً فحسب، كما يتصوَّر بعض الناس، كما أنه أسلم وأعلم وأحكم من كلِّ المناهج، خلافاً لمن ادَّعى أنَّ منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم، حيث أرشدنا الشارع الحكيم إلى المخرج من هذه الفرقة، ولم يتركنا حيارى، كما قال صلى اله عليه وسلم: "فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ". أبرز سماتها وأشار "د.القريوتي" إلى أن من أبرز سمات السلفية وخصائصها دعوتها وعنايتها بالعقيدة الإسلامية الصحيحة من الوحيين: الكتاب والسنة؛ لأن في ذلك السلامة للمسلم في دينه، إذ عليه أن يلقى ربه عز وجل بعقيدةٍ صافيةٍ نقيةٍ؛ تتحلّى بتوحيدٍ خالصٍ لله وحده، بعيداً عن الشرك بصوره وأشكاله، صغيره وكبيره، لأنَّ التوحيد حقُّ الله على العبيد، ولأجله خلق الله الخلق، وهو دعوة الرسل والأنبياء، ونقيضه الشرك بالله رب العالمين، وهو أقبح الذنوب وأظلم الظلم، وهو محبطٌ للعمل. وقال:"من من أبرز سماتها أيضاً تحذيرها من الغلو في نفي أسماء الله عز وجل وصفاته بدعوى نفي المشابهة بين الخالق والمخلوق، فتصور بعض الناس المشابهة أولاً، ثم لجئوا إلى تعطيل الصفة وتأويلها، ولو لجئوا إلى طريق السلف في ذلك من إثبات ما في الكتاب وصحيح السنَّة إثباتاً يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى؛ دون تشبيه ولا تمثيل؛ ولا تأويل ولا تعطيل، لما وقعوا في الذي منه فرُّوا". الآثار المترتبة وأوضح "د.فهد بن سليمان بن إبراهيم الفهيد" -الأستاذ المشارك بقسم العقيدة في جامعة الإمام- الركائز التي يعتمد عليها منهج السلف والآثار المترتبة عليها في تحقيق الأمن، ومن ذلك: تحقيق التوحيد لله رب العالمين وأعظم ذلك إخلاص العبادة لله تعالى وهذا أعظم أصول الدين، وهو دعوة جميع الرسل عليهم السلام، كما قال الله تعالى:(فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص)، والاعتصام بحبل الله تعالى وهو القرآن والسنة، كما قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ...)، وهذا يتضمن التمسك بالنصوص الشرعية، ملزوم الجماعة والسمع والطاعة، وهذا من الأصول الكبار عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً... أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، إلى جانب اتباع السلف الصالح في تفسير النصوص وفهمها وهم الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، كذلك من الآثار التسليم لنصوص الشرع، وعدم معارضتها برأي أو قياس عقلي، والتحاكم في جليل الأمور ودقيقها إلى الشرع المطهر، قال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). وقال إن من الآثار رد المتشابه إلى المحكم والجمع بين النصوص والأخذ بها، فالسلف الصالح يعتقدون أن النصوص يفسّر بعضها بعضاً، والقاعدة عندهم: أن المتشابه يرد إلى المحكم، ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلاّ أهل الزيغ كما قال تعالى:(فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، ومحاربة البدع والمحدثات في الدين ، فالبدع سبب الهلاك والخسارة كما في الحديث:(... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة)، والوسطية في كل أبواب الدين؛ تحقيقاً لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، ودعوة الإسلام الخالصة هي الوسطية، وليس المراد بالوسطية المعاني المحرِّفة والمبدِّلة للشريعة، كذلك ضبط التعامل مع الآخرين بالضوابط الشرعية المشتملة على إعمال قاعدة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الكفر والشرك وأعداء الدين، والمحافظة على العهود، واحترام المواثيق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطريقة الشرعية. تحقيق الأمن وأشار إلى أن من آثار الالتزام بمنهج السلف في تحقيق الأمن سلامة المعتقد أهم أسباب اجتماع القلوب على الحق؛ فينتج عن ذلك الأخوة الإيمانية الصادقة والمحبة الثابتة والرابطة الإسلامية التي هي أقوى الروابط وأعظمها، قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض...)، وأن أحوال الناس تنتظم وتصلح إذا حُكِم بينهم بالشريعة؛ فتطمئن لها النفوس، وتسلِّم قال تعالى (ولكم في القصاص حياة)، وفي الحديث (حدّ يقام في الأرض، خير للناس من أن يمطروا أربعين صباحاً) -رواه الإمام أحمد-، وانتظام أمر الجماعة بالسمع والطاعة وانتظام مصالح الناس ومعايشهم. وقال إن من الآثار التعامل الحسن مع الآخرين، ويتضمن هذا حفظ العهد والوفاء به واحترام المواثيق والوفاء بالعقود، فعلم العالم أجمع أن أهل الإسلام أشد الناس وفاء بالعهد وأعظمهم قياما بالمواثيق والعهود والمصالحات، وكذلك التأدب بآداب الشريعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بملازمة الرفق والحلم والصبر والعلم والحكمة، إضافة إلى تحقق الطمأنينة في المجتمع بوحدة الكلمة وترابط أفراد المجتمع والشعور بالعلاقة الطيبة بين الحاكم والمحكوم؛ فمنهج السلف يقرر الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والتوفيق، ويقرر تحريم الخروج على الحكام المسلمين ولو جاروا خلافا لطريقة الخوارج والمعتزلة، ومما يعتبر قريباً من الخروج ما يُسمى بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني، وهذه الأمور تسبب الاضطرابات والفتن والأمور التي لا تحمد عقباها عند العقلاء.