يشكل تضخم أسعار اللاعبين، وتمردهم على أنديتهم ظاهرتين لافتتين حالياً في الكرة السعودية، بحيث لا يكاد ناد لم يعانِ الأمرين منهما، وما كان ذلك ليحدث بهذا الشكل المتسارع لولا حذف المادة 18 الخاصة بانتقالات اللاعبين دون معالجة جوانب مهمة في العملية الاحترافية، وهي المادة التي كانت بمثابة القيد الذي يكبل حرية اللاعب، إذ كانت تجبره على قبول العرض الأعلى، إلا إذا قدم ناديه 30 بالمائة من العرض الأعلى، فحين ذلك يكون مجبرًا على التوقيع لناديه الأصلي، أو الاعتزال، أو التحول لهاوٍ. تلك المادة السيئة الذكر كانت ظالمة بحيث كانت تفرض على اللاعبين البقاء أسرى في يد أنديتهم، لكن ما هو أسوأ منها هو تحرير اللاعبين من قيود الأندية بحجة التوافق مع مقررات (الفيفا)، في وقت لم تحرر فيه الأندية من القيود الحكومية، التي تكبل الأندية، وتحبسها في زنازين البيروقراطية، إذ المنطق والتجربة يؤكدان أن لا سبيل لتطبيق أي فكر احترافي منفتح دون اعتماد الخصخصة كحصان يجر عربة الاحتراف، وهو ما يحدث في العالم المتطور رياضيا، في حين لا حصان لدينا يجر، والعربة خاوية. الأكثر سوءًا أن لجنة الاحتراف أطلقت سراح اللاعبين من سجون الأندية، في حين أبقت الأندية حبيسة لسجون اتحاد الكرة، حيث لا خيار لها في تقرير موقفها من اتحاد الكرة باعتبارها الجمعية العمومية للاتحاد، أسوة بما هو معمول به في كل العالم، في ظل انتخابات منقوصة، ولا خيار لها أبداً في ما يتعلق بالتوزيع العادل والمنطقي لإيرادات استثمار الدوري، خصوصاً ما يتعلق بحقوق النقل التلفزيوني، وحقوق الرعاية، وهما الإيرادان الأقوى في غالبية الدوريات في العالم، ففي حين لا يصلها إلا فتات الإيراد الأول، فإنها تحرم تماماً من الإيراد الثاني. وحيث لا مناص من القبول القسري لسياسة الارتهان لاتحاد الكرة، فإن على الأندية التعاطي مع هذا الواقع بكثير من الوعي والمسؤولية الكاملين بواقع المرحلة الراهنة، إذ لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى نفسها بين مطرقة تمرد اللاعبين، وسندان أنظمة الاتحاد السعودي، إذ بات من اللازم عليها مباشرة كثير من الأمور التي تدفع باتجاه تصحيح هذا الواقع الظالم، كتشكيل رابطة للأندية المحترفة تعنى بمعالجة العديد من القضايا المسكوت عنها مع اتحاد الكرة، كتوزيع إيرادات هيئة دوري المحترفين من منتج الدوري، بحيث تكون الأندية مستفيدة استفادة عادلة، وكذلك سن لوائح تنظم التعاطي مع اللاعبين المحترفين، لاسيما فيما يتعلق بلائحة العقوبات والجزاءات، أسوة بلائحة نادي الشباب التي أقرها في الموسم الماضي. إن العودة بعجلة الاحتراف للوراء بحيث تتم استعادة المادة 18، أو حتى معالجتها بات أمرًا مستحيلاً ومرفوضاً أيضاً، لكن معاجلة الواقع الاحترافي لازال في يد الأندية، خصوصاً بعد أن أصبحت الحلقة الأضعف في سلسلة الاحتراف السعودي، ولن يكون ذلك إلا بقيادة تكتل قوي يفرض على اتحاد الكرة حلولاً جذرية لمعالجة حالة الاستقواء التي يمارسها عليها، وإلا فأي منطق لا يسمح للأندية الاستفادة من إيرادات رعاية الدوري، وهي حجر الزاوية فيه، وما لم يحدث ذلك فإن الأندية جميعها ودون استثناء، حتى تلك التي تملك عقود رعاية كبرى لن تقوى على مواجهة طوفان عقود اللاعبين الهادر، وإعصار تمردهم الهائج.