هناك من يفترض بأن الشباب السعودي (قاسم مشترك) أوحد في كل ما نراه حولنا من مظاهر صاخبة، ولعل أوضح حجج هذا الافتراض ما تكشفه الأطروحات المثيرة الموجودة على صفحات منتديات الانترنت الشبابية، ويلحق بهذا ظاهرة انتشار مقاطع أفلام «البلوتوث» عبر أثير الهواتف المتنقلة في الأسواق والأماكن العامة، وقد أدرك بعض تجار الإعلام سر هذه المعادلة الشبابية فوضعوها على هيئة صور ومواضيع (أغلفة) مثيرة ومتكررة بمضامين وألوان شبه موحدة تداعب الرغبات والنزوات في محتوى عشرات الإصدارات المستوردة التي لا تستهدف إلا الشباب، وفي ذات المسار تتوجه - أيضا - عشرات القنوات الفضائية التي هبطت بكل قيمة مراهنة على الشباب وما يريدون. وعلى الرغم من كل هذا فماذا لو بدأنا بوضع الخطط والبرامج عوضا عن إلصاق التهم بشبابنا خاصة وأن المجتمع السعودي يتكون في معظمه من الشباب، ومن سمات هذه الفئة العمرية كما هو معروف الحيوية والصخب، وتقول العرب في أمثالها وصفا لهذه المرحلة «الشباب شعبة من الجنون». ومما لاشك فيه أن اتساع القاعدة الشابة في المجتمع يشكّل احد أهم التحديات التي تواجه كل مؤسسات المجتمع، وفي المملكة تحديدا تتضح خطورة المهمة أكثر كون فئة (الشباب) ممن هم تحت سن 30 عاماً يشكلون نسبة تزيد عن72 ٪ من إجمالي عدد السكان، ومن بين هذه النسب يوضح رقم آخر أن نسبة السعوديين ممن تقل أعمارهم عن سن 15 سنة تكاد تزيد عن 45٪. وبتفحّص ما تمثّله مثل هذه الوقائع والأرقام السعودية من مؤشرات نجد أن المكانة الروحية المقترنة بالقدرة الاقتصادية لمجتمعنا الفتي هذا ستكون محل مراقبة وترصّد بل وسيظل المتربصون من كل معسكر يبحثون بلا كلل عن مواطن الخلل ليدخلوا منها إلى الشباب الذين هم عقل هذا المجتمع ووجدانه، وكما أثبتت التجارب فان هؤلاء الخصوم لم يتوانوا في امتطاء كل الوسائل، ولن يعوزهم في عالم الفتن اختلاق المبرر الديني أو غير الديني في سبيل تحقيق الغايات. ومن هنا يمكن القول إن مدلولات هذه الأرقام والإحصاءات ينبغي أن تضع بشكل واضح عناوين وأولويات (الأجندة الوطنية) وان يكون محور ارتكازها (الشباب ثم الشباب). لا مقارنات بين كنا وكانوا فقد نشأت أجيال قبل هذا الجيل في أجواء مصادر ثقافة اجتماعية بسيطة المدخلات والمخرجات، وكانت المراجع الفكرية واضحة المنهج سليمة النوايا.. في مجتمع كانت حركة المرور تتعطّل فيه حين يبدأ بث المسلسلة الأسبوعية التي تعرضها قناة يتيمة، يعيش الناس ويبنون.. الأحلام.. والأمنيات البسيطة، بساطة الحياة والرؤية. ولكن مع هذه الجيوش الجرارة من الشباب وفي خضم هذا الانفتاح الاتصالي العالمي.. وانشغالنا عنهم.. ظهرت هذه الأرقام لتتكلم وربما تفسر في جانب منها بعض خفايا كثير من الإشكالات الفكرية والاجتماعية التي لم نعطها حقها بوضوح فظهرت علينا زوابع وغبارا يكاد يعمي العيون. وحين يأتي الحديث عن شبكة الانترنت ربما يستدعي المنطق الإقرار بأن معظم محتوى الانترنت السعودية هو من إنتاج هؤلاء الشباب، وهم أيضا اكبر شريحة مستهلكة لما تبثه هذه المواقع.. والانترنت عند من خبروها كيان ضخم. وعوالم من الاختيارات والتعقيدات المرتبطة بالكثير من أوجه النشاط الإنساني وهي اكبر من مجرد أجهزة وبرامج أو جهاز قابع في غرفة الشاب أو الفتاة خلف الأبواب المغلقة. شبكة الانترنت اعقد من سهولة اتخاذ قرار إعداد قوائم الحجب والمراقبة التي لم تنجح إلا في إرضاء الضمير الإداري. نعم على الشبكة عقول تفخّخ.. ومراجع فكرية تتصدر.. وعلى الشبكة ضمائر تستيقظ وأخرى تموت.. وفي أدغالها عناكب ودبابير تُحْكِمُ نسيجها على كل من تخلى عنه مجتمعه الصغير أو الكبير. إذاً في عصر الانترنت، وفي زمن الفضاء الحر، وحمى «البلوتوث» والثقافة الالكترونية هناك مشكلات تراكمت وستزيد مما يستوجب علينا البدء بتشخيص هذه الظواهر ودراسة سيكولوجية شباب هذه المرحلة، وتطوير قنوات تواصل حيوية تساعدنا على فهم أسلوب حياتهم وطرق تفكيرهم، كيف يحلمون؟، وماذا يتوقعون؟. كيف يغضبون ويتحاورون؟ ليتنا نفعل؟ مسارات القرار الإداري منحك (المكان) ولكن وحده ضميرك الحي من سيمنحك (المكانة). [email protected]