وجد متقاعدون وشباب ضالتهم في بناء إستراحاتٍ مؤقتة بألواح الصفيح والأكواخ القديمة والخيام، تزينها جلسات يتناثر حولها زير الماء وحفرالمندي، حيث تشهد المنطقة - التي تعتبر عقاراتها الأغلى على مستوى المملكة في ظل أزمة الإسكان واشتعال أسعار العقار - تسابقاً بين شرائح متنوعة؛ للفوز ببناء إستراحة تكون مظلة للقاءات الأصدقاء خصوصاً في الأجواء المميزة التي تشهدها العاصمة المقدسة الآن؛ ليصبح الطريق القديم لمحافظة جدة أو ما يعرف بطريق "الشميسي" أو "أم الجود"، نافذةً واسعة لرصد المشهد الاجتماعي الأهم على الطريق الدولي الأقدم؛ إذ يعدُ أول طريق معبد في المملكة، حيث تتناثر الإستراحات على التلال الرملية المتاخمة للطريق، والتي تشبه منطقة الثمامة الشهيرة في الرياض، وتختلف كُل استراحةٍ في خدماتها فمن ملامح التجهيز تكتشف مستوى دخل أعضائها. وما أن ترسل الشمس خيوطها الذهبية معلنة وقت الغروب وسط نسائم الشتاء الباردة، حتى تعيش تلك المواقع حراكاً واضحاً؛ من خلال إقبال سيارات المرتادين والزائرين، وتتصاعد أدخنة نيران حفر المندي، وتتطاير روائح الشواء والأكلات الشعبية فيما تضيء أنوار الكهرباء الظلام الدامس، لتظهر الاستراحات وكأنها تلبس حلل من النور، تغطيها سحب أحاديث المرتادين وهم يسردون ذكريات الماضي الجميل وتناول الأحداث اليومية، حتى باتت استراحات الطريق القديم مواقع جاذبة للمتقاعدين والموظفين، أكثر من المقاهي التي لا يخرج تكوينها عن الجلسات المتواضعة والمتلاصقة والتي تفتقد للخصوصية والراحة. وبين "محمد الحربي" من رواد استراحات أم الجود أنّ عُمر الاستراحات في تلك المنطقة 22 عاماً، والتي تكاثرت بفعل الإقبال المتزايد، ولقرب وإنفتاح المنطقة ووقوعها خارج مناطق الضجيج الصناعي والعمراني، فضلاً عن أنه لا تفصلها عن مكةالمكرمة سوى كيلو مترات، ولإقتناع الكثيرين أن المقاهي بوضعها الحالي غير لائقة للإجتماع خصوصاً من لا يمارسون تدخين الشيشة، مشيراً إلى أن الاستراحة تضم غرفة من الصفيح، مجهزة بمكيف صحراوي، ودورة مياه ثابتة ومطبخ صغير، يديرها عامل براتب رمزي، ويوجد متعهد يوفر خدمة الكهرباء والماء المحلى برسوم شهرية. وأضاف أن هذه الإستراحات أقل تكلفةً من الإيجارالسنوي لإستراحة بمكةالمكرمة، والمتراوح بين (15-20) ألف ريال، في حين أن تكلفة بناء استراحة على طريق جدة القديم لا تزيد عن خمسة آلاف ريال فقط وبدون إيجار سنوي، وهذا لا شيء لمكان يضم العشرات من الأصدقاء والزملاء. ووضّح المتقاعد "سعود اللحياني" أنّ عامل السن والمستوى الإجتماعي، يدفع الكثير للتحرج من دخول المقاهي، في حين أنّ استراحات الصفيح فتحت المجال أمام تلك الفئات للحصول على مواقع تجتمع فيها دون المساس بخصوصيتها، في ظل فراغ التقاعد مع ما يميز هذه الاستراحات من رسوم مالية ومصاريف معقولة بعكس المقاهي. وقال "عبيد الحربي" إن عدم وجود البديل الجاذب جعل من استراحات الأكواخ ملاذاً يسعى إليه المتقاعد والشاب للخروج من أزمة الفراغ، وأصبحت تلك المواقع أشبه بجرعات يومية تشحن المرتاد لمواجهة ضغوط الحياة اليومية. وفي الإتجاه ذاته تشهد مواقع خلوية أخرى حول مكةالمكرمة إقبالاً منقطع النظير من أهمها؛ مدخل مركز عين شمس على طريق المدينةالمنورة، ومناطق الراشدية، والمغمس، وطريق الليث، ومنطقة بوابة مكةالمكرمة على طريق جدة السريع، ووجد عاطلون وأصحاب دخل متدن ذلك فرصة للتحسينمن أوضاعهم؛ من خلال توفير خدمات بناء وتأجير الخيام وتوفير الكهرباء والماء وتأجير الدبابات. تزايد واضح على بناء الاستراحات