الرسالة الشخصية بين رجلين متقاربي الكفاءة والمكانة الاجتماعية ليست إطلاقاً وسيلة كسب رأي أو حيازة مساندة أو تصحيح معلومة.. قد يحدث بعض ذلك في قصيدة مديح أو مقالة ثناء أو في سطور رسالة خاصة ترتفع بمضمونها من موقع كاتبها المتواضع إلى الموقع المرتفع الذي هو فيه مَنْ توجّه له الرسالة.. هذه حقيقة عامة.. بل عندما تأتي الرسالة وهي حس عاطفي خيالي التعبير وواقعي الممارسة حول براعة المعاشرة والأخوّة فإنها تأتي وهي مسار احتضان تميّز خاص لواقع أخوّة خاصة.. وكثيراً ما تأتي الرسائل ما بين أخوين وهي موجزة على اعتبار أن المشاعر التقليدية لا تحتاج إلى إبراز حضور، فهي وجود عائلي يتحرك فيه مَنْ كتب ومَنْ كُتب إليه، لكن ما حملته رسالة المغفور له إن شاء الله سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى أخيه سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز هو اندفاع احتضان أبوي وأخوي واجتماعي في ذروة تقدير إنساني لا أعتقد أنها وُجّهت من قبْل لشخص آخر.. فيما نشرناه في عدد يوم الأحد (ص 35) عن الرسائل المتبادلة بينهما، وفي كل السطور تداخل أبوّة وأخوّة وبنوّة وجزالة وفاء مواطنة.. شموخ تقدير ارتفع على كل مستويات الوفاء المألوفة واحتضنته نفس مشاعر صدورها في حقيقة أن لا فرق في سمو المضمون بين مَنْ كتب أو قرأ بعواطف وعقلانية أي منهما.. الأمير سلطان يطلق لقب «أمير الوفاء» على أخيه سلمان ويسميه «سمو الوفاء.. ووفاء السمو» في رده على رسالته.. هذه جزالة تقدير يقولها رجل - رحمه الله - هو الأقرب من تعدّد كفاءات الأمير سلمان وانفراده بخصوصيات عقل وعواطف دون أن يعطّل أي منهما ما هو منطقي في الآخر.. إن استعراض العلاقة بين الرجلين يصعب متابعتها، فهي تاريخ طويل ليس في تقارب أخوّة فقط وإنما في جزالة التماثل في وعي المسؤوليات وجزالة التواجد الاجتماعي.. إلا أن سنوات ليست بالسهلة مرّت بحياة الأمير سلمان الذي فُجع بوفاة شابين كانا ينطلقان إلى براعة حضور اجتماعي وكفاءة مسؤولية؛ إلاّ أن القدر قد أوقف هذا المسار؛ حين فقد المرحوم فهد بن سلمان حياته عام 1422ه، ويأتي عام واحد فقط ثم في نفس الشهر تخسر الأسرة المالكة شاباً آخر هو الأمير أحمد بن سلمان رحمهما الله.. أعوام قليلة مرّت؛ ثم إذا بالأمير سلمان يرتبط بواقع وفاء ومؤثرات إخلاص لرجل رأى فيه عاطفة الأب وجزالة مسؤولية القدرة القيادية حين أخذت المرحوم الأمير سلطان مؤثرات المرض أشهراً في الرياض ثم مثلها في الخارج، وبعد ذلك بزمن ليس بالطويل تأتينا أخبار وضعه الصحي من أمريكا.. سلمان لم يكن بعيداً عن كل مسؤوليات التعاطف والملازمة وبذْل أي مؤثرات جوار نفسية وعاطفية.. وفي ذروة ما هو ينام ويصحو وفْق ما هي عليه الحالة الصحية لرجل نُبل من الصعب أن يتكرّر.. يكفي أن كثيرين اعتقدوا أنه في سنوات ليست بالقليلة قد تخلّى عن ثروته لمواطنيه.. في هذه الأجواء يأتي خبر وفاة حرم الأمير سلمان أم فهد؛ فيأخذ نفسه مع المؤدين لصلاة الوفاة ثم شكر أصحاب العزاء، ولم تفصل ساعة واحدة بين نهاية يومي العزاء وذهابه مرافقاً أخوياً نحو مَنْ يرى فيه أبوّة وسموّ عواطف.. المرحوم سلطان بن عبدالعزيز.. ثم يعود به وهو الأكثر ألماً وحزناً.. أمام حقيقة الوصول إلى نهاية سبقتها مؤشراتها..