إن الإنسان ليمر عليه في حياته الطويلة عدة مراحل في كل واحدة عليها للزمن بصمة.. إما بذكرى جميلة أو لحظة عصيبة أو لحظة حاسمة لقرار غيّر مجرى حياته. ولحظة استلام العمل الحكومي لحظة حاسمة تضع الانسان على المحك الحقيقي للعطاء في أجمل صورة خاصة حين يستشعر المسؤولية ويدرك عظم الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه هذا العمل.. فما بالك إذا كان معلماً عمله من أجلَّ الاعمال واشرفها ورسالته رسالة سامية نبيلة لاتضاهيها رسالة فالمعلم تمر عليه سنوات وهو كالينبوع المتدفق الذي لاينقطع ماءه ليلاً أو نهاراً ويروي براعمه الصغيرة بقطرات عمله لتكبر غداً وتزهر وروداً يفوح اريحها مغطي الكون من حوله، ولحظة التقاعد لحظة عصيبة ومرحلة حاسمة لمعلم تعود على العطاء واعتاد على التضحية من أجل أجيال يتطلع إليها الوطن بعين الأمل والتفاؤل. ففي يوم الثلاثاء 23/4/1426ه احتفلت مدرسة الوسيعة بتوديع اثنين من معلميها اتموا أكثر من ثلاثين عاماً في الخدمة التعليمية لوطنهم وتكريم ثمانية وعشرين معلماً متقاعداً أدوا رسالتهم على أكمل وجه فاستحقوا وقتاً يركنون فيه إلى الراحة والاسترخاء.. فحق علينا تكريمهم حتماً أن التقاعد لايعني النهاية فثلاثين عاماً من الخدمة المتواصلة للوطن تعني الشيء الكثير وتخريج أجيال من ابناء هذا الوطن المعطاء في الأربعين الآن من عمرهم ينقصون أو يزيدون قليلاً لشيء يعتز به المتقاعد وهو يرى من كان بالأمس طفلاً صغيراً همه في الدنيا اللعب والشقاوة والقفز هنا وهناك قد اصبح الآن رجلاً بل ركن من اركان هذا المجتمع سواء كان طبيباً أو مهندساً أو ضابطاً أو معلماً ونحو ذلك. وإن قلب المعلم المتقاعد يتدفق محبة وتفاؤلا وهو يرى تلميذه يلامس الذي قام بتربيته وتعليمه يساهم اليوم في دفع عجلة التقدم في بلادة إلى الإمام ولحظتها يعلم أن عمله لم يضع سدى وأن تضحياته ونصائحه لم تذهب أدراج الرياح. لحظة التقاعد للمعلم ليست سهلة على الاطلاق وحين سألت أحد المتقاعدين عن نصيحة يود توجيهها إلى المعلمين الجدد ممن يتذمرون من ضغوط الجدول واعباء العمل.. قال بتعليمات موجزة ولكنها عميقة المعني والمدلول (يا وليدي لويدرون أن ثلاثين سنة من العمل راحت مثل حلم ليل كان تمتعوا بعملهم قبل أن يتذمروا منه) أن المعلم المتقاعد لايعني أنه معلم منتهي الصلاحية بل العكس صحيح فهو ثروة وطنية من الخبرات والتجارب يجب الاستفادة من نصائحة وتوجيهاته. وصدق احمد شوقي حيث قال: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا ثلاثون معلماً متقاعداً يشكلون برأي تاجاً من الشموع المنيرة المتلألئة على جبين محافظتنا الجميلة ود سوا أعطوا حين كانت المدارس عبارة عن بيوت طينية بسيطة المقاعد عبارة عن خشب مهترٍ والساحات صغيرة يتناثر غبارها هناك وهناك حين تأتي حصص التربية البدنية ولكن كما قال الشاعر: إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام أدركوا عظم المسئولية وأمانة التعليم فما بخلوا بأوقاتهم وعطائهم وادركوا معنى أن تدفع العائلة بأغلى ماتملك في الدنيا إليها وهم فلذات الاكباد ليعلموهم يأدبو فتلقفوا هذه البراعم الصغيرة بكل الحب والحنان يغرسون في صدور هم كل جميل ورائع ويطردون سماء حياتهم كل قبيح حتى اشتد عودهم فاصبحوا مثل الاشجار التي تتمايل مع العواصف دون أن تنكسر فهنيئاً لهم بغرسهم الذي طاب واثمر رجالاً تسر رؤياهم اهلهم ووطنهم وهنيئا لهؤلاء الرجال الذين تخرجوا من تحت ايدي معلمين امثالهم لايتذمرون ولايشتكون من ضغط جدول وعبء وظيفة، وهنيناً لمحافظة الغاط بهؤلاء المعلمين المتقاعدين الذين جعلوا لها في بناء الوطن موقعاً وساهموا في دفع عجلة النهضة في بلادنا فهنئاً لهم، ولان الفضل ينسب لأهله فان جميع افراد الاسرة التعليمية في محافظة الغاط من مدراء ومعلمين وطلاب وأولياء أمورهم يتقدمون بالشكر والتقدير والعرفان لسعادة محافظ الغاط عبدالله الناصر السديري على مبادرته الانسانية واللفته الكريمة منه من أجل الاحتفاء بالمتقاعدين في محافظة الغاط من عام 1368-1426ه وبرعاية كريمة من سعادته. * مدير مدرستي الوسيعة وتحفيظ القرآن بالغاط