استبشرنا واستبشر المواطنون بتولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله حقيبة الدفاع، خلفًا لصنوِهِ وأخيه الراحل سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله ليكون خير خلف لخير سلف، وأدرك العموم والخصوص _ من شعب المملكة ومن المتابعين للشأن السياسي في المنطقة_ ما في هذا الاختيار من حكمة خادم الحرمين الشريفين. وبهذا ينتقل الأمير سلمان من حماية حقوق المواطن، في إمارة منطقة الرياض، إلى حماية حدود الوطن في وزارة الدفاع ليضيف إلى سجله الرائع تميزًا جديدًا، وإبداعا في تطوير هذه المؤسسة المرابطة على الثغور في سبيل الله، تحمي حمى الوطن، وتدفع عنه شرور المعتدين. وحين تعطى القوسَ باريها، ويستُعانَ على كلِّ صناعةٍ بأهلِها، نقول: ليس هذا بمستغرب، فسلمان بن عبد العزيز لهذه المهمة أهل، بما حباه الله تعالى من خصالٍ، وبما رزقه من ملكاتٍ. فهو أحد أبناء البيت السعودي، الذين رباهم الملك عبد العزيز _ يرحمه الله _ على التوحيد والقول السديد، فحملوا راية الشريعة، وَأَعْلَوْا مَنَارَهَا، فأشرقتِ الأرضُ بنورِ العقيدةِ، وَأَمِنَتْ بفضلِ اللهِ البلادُ لقوةِ سلطانِها، وعِزَّةِ حُماتِها، ومصداقيةِ علمائِها. إن سلمان بن عبد العزيز واحد من هؤلاء الرجال، الذين تتابعوا على المناصب السياسية، على هدًى وبصيرةٍ، وعلمٍ وحكمةٍ، وخبرةٍ وتجربةٍ، فأولهُم وآخرُهُم في ذلك سواء: إنه في أوجز عبارة: هامةٌ على قامةٍ. هامةٌ في الثريا شامخة، على قامةٍ كالجبالِ راسخة، لا تهزُّهُ العواصفُ، ولا تُضَعْضِعُه القَوَاصِفُ، ومع هذا فهو عظيم التواضع كريم النوازع. إن سلمان ذو شخصية متوازنة تتفاعل مع كل موقف بما يناسبه، وتلبَس لكلِّ مهمةٍ لأْمَتَها، وتنبري لكل مقامٍ بما يستحقه من مقالٍ، فجوانب شخصيته تتعدد بتعدد الواجباتِ التي تفرضها اللحظة، ويقتضيها الوقت. ومن أعظم جوانب شخصية هذا الرجل إشراقا ذلك الجانب الوجداني الإنساني، الذي لا يسلط عليه الضوء كثيرًا، والذي يبرزُ الأركانَ الدافئة في كيانه، فتراه لا ينسى كونه ابنًا بارًا، وأبًا حانيًا، وأخًا وفيًا، وصديقا شهمًا، وجارًا محسنًا، ومسلمًا يفتح ذراعيه لإخوانه المسلمين في جميع أرجاء العالم، يمد يده إليهم بالمعونة والنصرة كلما اشتدت الكروب، وضاقت عليهم الدروب. فعندما يقف في مقام البُنُوَّةِ، تراه الابنَ البارَّ، الذي يعرفُ لوالده حقه، ويذكر له أياديَه على أبنائه من أسرته، وعلى أبنائه من شعبه السعودي العظيم، فيكثر من الترحُّم عليه، ويبكي متأثرًا عندما يروي مواقفه الإنسانية النبيلة، ومن هذه المواقف المؤثرة ما حكاه أن والده رحمه الله بينما كان يتسلل في جُنْحِ الليل إلى الضعفاء والفقراء من الرجال والنساء ينفق عليهم مما أعطاه الله، ابتغاء مرضاته، شعورًا فياضًا بالمسؤولية، ومع ذلك لا يريد أن يُعْرَفَ لأنه قد اكتفى بأن الله تعالى مطلع عليه، يعلم ما يخفي وما يبدي، وكفي بالله عليمًا، فيعطي العجوزَ في العشرِ الأخيرِ من رمضان ما يكفيها مؤونة بيتها وصغارها، وهو حريص على أن يكون التقيَّ الخفيَّ الذي لا تعلمُ شمالُهُ ما أنفقتْ يمينُهُ، ولولا أنَّ المرأةَ أصرَّتْ على أن تَعْرِفَهُ، لما عرَّفَهَا بنفسِهِ، تقول المرأة: من أنت؟ فلا يجيب. ثم تقول بإلحاح: أنت عبد العزيز؟ فيجيبها مضطرًا بعد الإلحاح: نعم أنا عبد العزيز. فتفتح جيبها تحت ستر الليل، وتستقبل القبلة، وتمد يديها إلى السماء قائلة: قل: آمين، ثم تقول: (اللهم افتحْ لهُ خزائنَ الأرضِ). فلما مَنَّ الله ُ تعالى بآبار الزيت، أدرك المغفور له _ بإذن الله تعالى _ أنها دعوة العجوز التي فك كربها، وأدخل السرور عليها وعلى صغارها في جنح الليل، فأخرج الله البلاد من الضيق إلى السعة، ومن الشدة إلى الرخاء، ومن الخوف إلى الأمن والاستقرار "جزاء من ربك عطاء حسابا". ومما يدل على عظيم بره أن أفضل كلمة لديه يحب أن يسمعها من الناس هي الدعاء لوالديه، نسأل الله أن يشملهما برحمته وغفرانه، وأن يسكنهما فسيح جناته، وأن يرزقهما الفردوس الأعلى بفضله ورحمته. وعندما يقف سلمان موقف الأب، فهو الذي لا ينسى _ في غمار المسؤوليات الوطنية العظيمة الملقاة على عاتقه _ واجبَهُ الأُسْرِيَّ والاجتماعيَّ وأنه أبٌ له أبناءٌ وبناتٌ وأهلٌ وإخوان فيعطي كل فرد في أسرته حقه، يتفقد ويتابع ويطمئن ويباشر بنفسه بعض مصالحهم أحيانًا، ومن كان منهم في التعليم يتابع مستواه الدراسي، ويؤنب من يستحق التأنيب، ويشجع من يستحق التشجيع، وَيُنَشِّئُهُم على فعلِ الخيرِ وإقامةِ الصلوات ومحبة الناس والتواضع لهم. وعندما يقف سلمان موقف الأخ نراه يضرب أورع الأمثلة على الأخوة الصادقة الخالصة الناصحة، والوفاء غير المحدود، وهذا دأْبُهُ وديدنُه، بمقتضى أخلاقِه ومروءتِه. لقد رافق أخاه الراحل الملك فهد بن عبد العزيز أثناء مرضه سنوات، ولازم أخاه الراحل الأمير سلطان في مرضه الأخير شهورًا عديدة، ولم يتركه فيها أبدًا، إلا مرتين، إحداهما: لعيادة الأمير محمد العبد الله الفيصل ، والأخرى ليتلقى واجبَ العزاء في زوجته (أم فهد) رحمها الله تعالى ثم سرعان ما يعود إلى أخيه مؤنِسًا وراعيًا ومتابعًا تطوراتِ مرضه خطوة بخطوة، مشرِفًا على علاجه وراحتِه وطعامِه وشرابِه ويقظتِه ومنامِه، وخَلْوَتِهِ وجَلْوَتِهِ، وفاء بحقوق الأخوة، وقضاء لواجبات المروءة والشهامة العربية الإسلامية الأصيلة. ومن الجوانب المشرقة في شخصية سلمان حضوره الثقافي والإعلامي المتميز، فهو يتواصل مع المثقفين والمفكرين، ويتناقش في ما يجد من أمور داخلية وخارجية، ويطرح الرأي، ويعترف بالرأي الآخر، ويقبله بقدر ما يوافق قناعاته، ويؤكد على المساحات المشتركة، ويؤمن بالتعددية الفكرية، ويحث على الإبداع الذي ينهض بالبلاد في شتى مناحي الحياة، في ظل الثوابت الشرعية. إنه يمجد الكتاب، ويراه الزميل الدائم، والرفيق الصامت، الذي لا يمل حديثه، ولا يستوحش من صمته. ويرى أنه لا بد من الانفتاح على العالم من خلال معارض الكتاب، ويوصي أهل الفكر والثقافة والعلم أن لا يكتبوا ما يطلبه الناس بل عليهم أن يكتبوا ما ينفعهم. ويجمع بين الأصالة المعاصرة، والثبات والمرونة حين يقول: فلنفكرْ، ولْنبدِعْ في ظلِّ لا إله إلا الله. نعم. لقد أوجز سموه العبارة، وأنجزها تصريحًا وإشارةً، فحدد الركائز والإطار، وبين المحطَّ والمطار، فلا حجْرَ على فكرٍ مستنيرٍ، ولا مصادرة لرأيٍ في شأنٍ عظيمٍ أو حقير، طالما بقيت الثوابتُ ثوابت، وروعيت الأصول والضوابط، فلا إبداع بلا حرية، ولا حرية بلا ضوابط، ولا ضوابط بلا أصول، وأصل الأصول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يتفرع عليه من قيم فاضلة، وحدود فاصلة، بين الحق والباطل، والفضيلة والرذيلة، فالوسطية هي مطلبنا في الفكر والوجدان والسلوك. ويقرر سموه أن مشكلتنا مع التطرف في الفكر والوجدان والسلوك ليست في مصادر المعرفة والتشريع من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها، ولكن المشكلة في الفهم الخاطئ لأدلة التشريع التفصيلية ولمقاصده الأصلية، فالتطرف والإرهاب قائمان على الفكر المعوج، ولا بد من مواجهتهما بالفكر الصحيح والرأي النصيح، وتجربة المملكة مع مقاومة هذه الأفكار المنحرفة أخذت أنماطا متنوعة، وأحاطت بهذا الفكر من كل جانب، وذلك بالفكر الوسطي من خلال لقاءات العلماء والمتخصصين بالفئات المنحرفة، وجهود المؤسسات الشرعية والعدلية والفكرية، وبالمؤتمرات المحلية والدولية، وبالقوة والحزم والصلابة إذا لزم الأمر، وكان في ذلك ردعهم وكف شرهم عن الناس. ويدرك سموه أن التطور لا يأتي طفرة، ولا يظهر فجأة؛ ولكنه يأتي نتيجة التدرج الذي لا تأباه الأعراف، ولا تأنف منه الأفراد والمجتمعات رويدًا رويدًا، فالتطور الدائم النشط، ولو كان بطيئا خير من التأني المفرط أو العجلة المفرطة. وعلى صعيد آخر نرى سلمان الإداري والقائد، يمثل أروع صورة لاحترام الوقت، وتنظيمه، واستثماره، ورغم أنه يكون على رأس الهرم في الإمارة أو الوزارة فإن ذلك لا يمنعه من الحضور في موعده، والبدء في إنجاز مهامه، ومباشرة أعماله بمهنية عاليه ودبلوماسية رائعة. والجدير بالذكر أنه صاحب الثنائيات المتناغمة من الحزم والحنوّ، والشدة واللين، والثواب والعقاب، والمرونة والصلابة، والتفويض والمركزية، اعتمادًا على أسلوب إداري لا يكسر عرفًا قبليًا، ولا مفهومًا مجتمعيًا متعارفًا عليه. وفق الله الأمير، وحقق الخير على يديه، ورزقه السعادة في الدارين، وحفظ الله البلاد في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. * رئيس المحكمة الجزئية بالرياض