هناك انطباع عام بأن الدور الرئيسي الوحيد الذي تقوم به وزارة الاقتصاد والتخطيط هو إعداد خطة التنمية كلّ خمس سنوات، والتي تتكون من آلاف الأوراق والأرقام التي لا يلتفت لها أحد، بعد ذلك تدخل بياتا شتويا طويلا، دون أي علاقة عملية بإدارة الاقتصاد الوطني . هذا هوالانطباع العام ولعله غير صحيح، لكن الأكيد أن دور الوزارة هو دور محدود في الحراك التنموي الذي تشهده المملكة، مع وجود تداخل أو عدم وضوح بين مهامها ومهام وزارة المالية والمجلس الاقتصادي الأعلى.. وأعتقد أن أول خطوة في الطريق الصحيح لإدارة الاقتصاد الوطني بالشكل الأمثل هي التحديد الدقيق لمهام ومسؤوليات وصلاحيات وزارة الاقتصاد والتخطيط والأجهزة الأخرى ذات العلاقة بالاقتصاد، ومن ثم تفعيل هذه المهام بحس المسؤولية بعيدا عن التنازع على الصلاحيات . لقدعانت المملكة خلال السنوات الماضية من خلل كبير في إدارة الاقتصاد الوطني كمنظومة متكاملة لتحقيق رؤية موحدة ما أسهم في عدد من الظواهرالسلبية ومنها على سبيل المثال البطالة، والفقر، وعدم استثماراحتياطيات الدولة الضخمة بالشكل الأمثل في الداخل في مناطق وقطاعات هي بأمس الحاجة لهذه الاستثمارات، وجمود آليات منح القروض والحوافز وماتقدمه الدولة من دعم للقطاع الخاص بكافة أشكاله، وعدم ربط كل ذلك بصورة عملية فعالة بالأهداف الوطنية مثل تدريب وتوظيف المواطنين، وتنمية المناطق الأقل نموا، وتنامي مشكلة التستر ومعدلات النمو القياسية في أعداد المحلات التجارية الصغيرة التي يديرها ويعمل بها الأجانب، وليس لها أي إضافة للمجتمع أو للاقتصاد الوطني، وذلك نتيجة لعدم وجود جهة محددة في المملكة تدرس وتتابع عن قرب بطريقة منهجية شاملة حركة النشاط الاقتصادي، بما يخدم الأهداف التنموية للمملكة، نحو التركيزعلى الأنشطة الإنتاجية، التي تزيد على أرض الواقع من "متانة " الاقتصاد الوطني وتقلل من اعتماده المطلق على النفط . إن مساهمة القطاع الخاص في تحقيق " التنمية الإقليمية المتوازنة " هدف تكرر في خطط التنمية منذ أربعين سنة، ولم يتحقق على أرض الواقع ، وكرره معالي وزير المالية مؤخرا، مؤكدا اهتمام الدولة بتحقيقه، وهذا أمر طيب لكنه يستوجب المعالجة الفعالة على أرض الواقع للخلل التنظيمي في بنية الأجهزة المعنية بإدارة وتنظيم الاقتصاد الوطني، وعلاقاتها مع بعضها، حتى تتمكن بإذن الله من مواجهة التحديات الاقتصادية وبخاصة التي تهم المواطن بصورة مباشرة.