مهما بلغت خلافات الرؤى بين الأجيال وأسلوب تفاعلنا معهم، سنظل دوما في حالة دهشة وتساؤل حينما يتعلق الأمر بمدى ترجمة مفاهيمهم الخاصة مع ما يعتقدون من أفكار الكبار.. خاصة عن الاسترخاء واليوجا وهي رياضات لا تصل عادة إلى اهتمام البعض قبل الثلاثين من العمر، فكيف يكون الحال مع من هو في التاسعة عشرة من عمره ؟ قالت صديقتي: جاء قريبي المراهق إلى بيتنا منذ سنوات وهو في سنة دراسته للثانوية العامة. وقد لاحظت عليه كم كان يسهر كثيرا ويصحو مبكرا ثم يعود للبيت بعد المدرسة تعبا، وما ان يتناول الغذاء حتى يدخل غرفته لينام حتى المغرب. وهي دورة حياتية عادية في كثير من البيوت ربما بسبب الاعتياد، او الحر. غير ان إبني في المرحلة المتوسطة بات يميل للسهر تأثرا بطريقة ابن خالته وجميع الأبناء في البيت ينامون مبكرا بأوامر صارمة من الأب الذي يرى الأفضل لهم في النوم المبكر حتى لا يسهروا ويصبح الاستيقاظ للمدرسة مرهقا. وتعود الجميع على هذا الروتين. ووجدت الأم أنها في مشكلة وتحتاج ان تعالجها بلباقة حتى لا تسبب أزمة فلم تجد أفضل من النصح المنطقي، فأخذت توجه نصائحها بلطف محاولة إقناعه، فحدثته عن أهمية النوم الكافي وعلاقته بلياقة الذهن والنشاط العقلي.. لم يهتم. ذكرته بالدراسة ومزايا الصحو بنشاط لبدء يوم دراسي جديد، ايضا مرت كلماتها مرور الكرام ولم تتلق أكثر من وعد "إن شاء الله" إلى ان هداها تفكيرها إلى اخباره عن تجربتها الخاصة مع الاسترخاء وكيف ان التأمل لمدة عشرين دقيقة فقط عصرا يساوي ما يعادل ساعتين من النوم العميق. وهو ان تبني هذا التمرين لن يحتاج إلى النوم وسيشعر بالراحة. وفاجأها اهتمامه. فأمطرها بالاسئلة. وجاءت إجاباتها تباعا: سوف يساعدك الاسترخاء على التركيز على دراستك. سيعلمك الصبر والتروي، لن تنفعل كثيرا.. يزيل التوتر والقلق كما انه أثبت بقدرة التأمل على خفض ارتفاع ضغط الدم.. برقت عيناه وهو يستعجلها "علميني كيف استرخي" ولم تستوعب سبب اهتمامه، ولكنها مع ذلك فرحت فأخبرته عن التفاصيل الصغيرة وكيف انه بداية يجب ان يركز على التنفس أولا ثم يحاول ألا يفكر في شيء - أي يطرد أية أفكار ويعود لملاحظة تنفسه إلى ان يصل إلى مرحلة تلاشي حدود جسمه ويصبح ذهنه وتنفسه شيئا واحدا. وعادة ما يتطلب الوصول إلى هذه المرحلة بعض الوقت. وبدأ قريبها المراهق في تطبيق تمرين الاسترخاء يوميا وسط إعجاب الجميع باهتمامه، وكي لا يقطع هدوء المكان أي تداخل او صوت كان يؤدي التمرين في غرفة المكتب بالبيت ويقفل الباب. ومضت بضعة أيام لوحظ فيها بأن الاسترخاء لم يغير من روتين حياته فهو ما زال يسهر إلى ما بعد منتصف الليل وينهض مبكرا بالطبع. إلى ان جاء يصارح خالته بأنه ما يبدأ في التمرين ويغمض عينيه حتي يداهمه النوم دون ان يشعر..! فالمكان يغرق في الهدوء وهو يستلقي على الكنبة المريحة مع صوت المكيف الذي يعتاد الكثيرون عليه عندما ينامون، يحاول ان ينتبه إلى تنفسه قليلا وبعدها لا يتذكر شيئا. لا حاجة لذكر ردود الافعال التي صاحبت اعترافه فقد ضحك الجميع على شطارته ولم يعتب أحد خاصة عندما استيقظ ذات صباح ولاحظ بأن مفتاح الدور لم يكن يتحرك - علامة على فتح الباب من قبل ابن خالته وكان عليه ان يؤدي اختبارا آخر العام - فهرع إلى غرفته ليجده ما زال نائما فيوقظه ويلحق الابن اختباره لينال المراهق المشاغب شكر وامتنان كل أفراد البيت بعد ان كادوا ان يهجوا مناوراته.