بُحت حناجرنا من الحديث ، وتكاد تجف أقلامنا من كثرة ما سطرت من كتابات عن أزمات السير والاختناقات المرورية في مدننا الرئيسية، نقضي الساعات في انتقالنا من مكان لآخر ، ونهرب للطرق الدائرية أملا في سرعة الوصول ، وإن طالت المسافة ، لنفاجأ بأن هذه الطرق اشد ازدحاما من الطرق العادية داخل المدينة. المعادلة سهلة جدا وهي : (عدد السيارات + قلة المسارات +عدم وجود وسائل نقل أخرى = أزمة سير وتكدس آلاف العربات وتأخر مسيرة الحركة والنشاطات اليومية ). في هذا الجو المختنق برائحة عوادم السيارات تطالعنا إحصائية تقول إن عدد السيارات التي دخلت السعودية هذا العام بلغ سبعمائة ألف سيارة بقيمة أربعين مليار ريال. على هامش معرض السيارات الدولي الذي شهدته محافظة جدة مؤخرا ذكر نائب الشركة المنظمة ، بكل زهو وافتخار ، أن قطاع السيارات مزدهر دائما ، وأن السوق السعودي يشهد نموا بنسبة خمسة وعشرين في المائة سنويا (انتهى كلامه) وهذه المعلومة تعني لنا أن عدد السيارات في هذا العام والعام الذي يليه سيدخل في أرقام الملايين ، ما يهدد بكارثة مرورية الله اعلم بمنتهاها. في هذا الوقت الذي ينهمر علينا فيه سيل الاستيراد للسيارات نقابله ببطء وزحف شديدين في اتخاذ خطوات فاعلة نحو إيجاد الحلول . لم تشهد أي مدينة وسيلة نقل بديلة ، ولم تتخذ أي إجراءات للتقليل من الاستيراد ، ولم تصدر أي إجراءات تحدد الفئة التي يحق لها امتلاك السيارات الخاصة التي أصبحت متاحة للعمالة بمختلف تخصصاتها ودخولها الشهرية ولم ، ولن .. الخ . كل ما هو موجود حافلات متهالكة من نوع حافلة (مناحي) تنقل بعض العمال من مكان لآخر ، إضافة إلى شركة نقل كانت حافلاتها في الماضي تجوب بعض الشوارع والطرقات في المدن الرئيسية وما أن بدأنا التعود على استخدامها حتى انتهى بها المسار إلى خدمات للنقل بين المدن وتأجير الحافلات للمناسبات الخاصة. نعود إلى ما ذكره نائب الشركة المنظمة لمعرض السيارات في جدة حيث أشار في تصريحه ، الذي نشر في هذه الصحيفة ، إلى أهمية السوق السعودي لشركات السيارات العالمية باعتباره الأكبر في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لقطع السيارات والإكسسوارات . هذه الأمور حري بنا أن لا نفخر بها فهي تعني ثلاثة مؤشرات سلبية لدينا في عالم السيارات : الأول كثرة العدد ، والثاني القيادة الجائرة وعدم الصيانة ، والثالث كثرة الحوادث .. هذه هي مبررات رواج سوق قطع الغيار وهي مبررات تستدعي البحث عن الحلول والعلاج السريع ، وليس التباهي والتفاخر . وأما الإكسسوارات فهي مؤشر إلى الإسراف والبذخ ؛ فهي كماليات نحن في غنى عنها ولا دور لها في قيادة المركبة وسلامتها وصيانتها . كل ما نريده : ترشيد الاستيراد ، وإعطاء رخص القيادة لمن تتوفر لديه اشتراطات معينة ، وأهم من ذلك فك اختناقاتنا المرورية ولو بمشاريع تأخذ في التنفيذ سنوات عدة وذلك قبل أن تكبر كرة الثلج التي تدحرجت منذ مدة ونتخوف من سقوطها على رؤوسنا بعد أن يكبر حجمها وتزداد صلابتها..