لم يكن "نواف" مؤيداً لزواج الأقارب، بل كان من أشد منتقديه حينما يردد "الأقارب عقارب"، وبعد مرور الزمن قرّر أن يتزوج، ولكن الحال "على قد الحال"، فهو لا يستطيع مجابهة مظاهر "فخفخة" زواجات اليوم، إلى جانب أنه "عصبي" المزاج فلا يرغب بفتاة لا يعرف طباعها وسلوكها؛ الأمر جعل أنظاره تتجه صوب ابنة خاله التي لطالما رددت والدتها محاسنها ديناً، وسلوكاً، و"طبخاً"، ناهيك عن إعجابه بشخصية خاله والد "زوجة المستقبل" فهو شخص رزين وحكيم، وليس كحال والد زوجة صديقه "سالم" الذي يفضفض له دائماً عن "لقافة" نسيبه "العلّة. "نواف" وغيره من الشباب اقتنعوا بأن الزواج من الأقارب يختصر الكثير من الخطوات التي لم يستطيعوا تخطيها سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، وليس الفتيات ببعيدات عن ذلك المنظور، فهناك العديد من الفتيات اللاتي قبلن بأبناء عمومتهن بسياسة "ابن عم في اليد ولا مهند فوق الشجرة" هاربات من انتظار الزوج مجهول الهوية الذي لا يعرفن متى يطرق الباب، وخشية من أن يركبن قطار "العنوسة"، ورفضاً في الزواج بمن هو أقل منها طبقة اجتماعية ومادية. هل هو حل؟ ويتبادر سؤال في أذهان الكثيرين "هل زواج الأقارب يعد حلاً أمثل؟" في ظل اختلاف الظروف المادية بين طبقات المجتمع، والاختلاف الاجتماعي والمادي والفكري بينها، فعلى مرّ العقود الماضية كان الأمر مقبولاً في فترات ولا يحظى بقبول في أخرى، لا سيما وأن الدراسات تشير إلى أن نسبة انتقال الأمراض الوراثية تزيد بنسبة 85% في حالات زواج الأقارب، ورغم ذلك لا يزال هناك من يفضّل الارتباط العائلي متخذاً شعار "منّا وفينا"، و"سمننا في دقيقنا"، بحيث يكونون "عارفينهم وعارفينا" بعيداً عن غموض تلك الفتاة التي إما أن تقع أعينهم عليها على أصداء "طبول" زفاف راقصة، أو ذُكرت لهم طرفاً عن طريق آخر، وعادة ما تكون الروايات عن الزوج أو الزوجة تحتوي على الصفات الحميدة والخصال الفريدة، وهذا من الأسباب التي زادت من زواج الأقارب بذريعة "من رأى ليس كمن سمع". النسيب الجديد! ويزيد من رغبة البعض في الزواج وجود "الميانة" بين أهل الزوج والزوجة؛ مما يتيح تفاهماً أكثر وإدراكاً أكبر لظروف بعضهما دون أن يكون هناك "تشرّط" بشكل مبالغ فيه، مثلما لو كان شخصا غير قريب تُملى عليه الشروط ويُطلب منه مهر باهظ، فضلاً عن تفاصيل الزواج، حيث كان العامل الاقتصادي في عقود مضت مساهماً في تزايد زيجات الأقارب إذ كانت قلة الموارد وتلاحم الأسر بعضهم البعض مساعداً في تزايده، وفي العقود الأخيرة لم يعد الأمر مستساغاً كما كان في السابق؛ إذ أصبح الزواج من غير العائلة أمراً مفضلاً لدى كثيرين يفضلون الزواج من خارج الأسرة، بحيث يكون ل"النسيب الجديد" (برستيج) ومعاملة فائقة خشية أن "يشره" عليهم!، وليس كما لو كان قريباً من العائلة، حيث تسير الأمور على وتيرة تقليدية إلى حد البرود في أغلب الأحوال. ضد الصدمة! ويمتاز "زواج الأقارب" بأنه "ضد الصدمة"!، بحيث يكون كلا الطرفين "باخصين" بعضهما البعض وعلى معرفة تامة بطباعهما، وسلوكياتهما، وشيئاً من الملامح قبل الرؤية الشرعية، سواء مما اختزنته ذاكرتهما أثناء طفولتهما، أو من خلال النقل الوافي من أهالي كل طرف منهما، وليس كما في زواج غير الأقارب، حيث تمثل مرحلة السؤال عن الخاطب معضلة صعبة تتمثل في مدى صدق التحريات التي يعملها أهالي الزوجة، وهل هي صحيحة، أم أن هناك خفايا سيئة سيكشفها الزمن بعد أن تم توريتها حتى اكتمال مشروع الزواج، وحينها تتضح الشخصية الحقيقية من المزيفة. ورغم أن "زواج الأقارب" يعد سبباً من أسباب الطلاق بحسب بعض الدراسات العلمية، إلاّ أن عادات وتقاليد مجتمعنا ترفض قرار الطلاق في زواج الأقارب في حالات كثيرة بحيث يزيد الاحتواء وتدارك المشاكل منذ صغرها قبل أن تصل إلى قطيعة بين أهل الزوج وأهل الزوجة الأقارب. خطر طبي وعد "د. حمد عبدالله المجلي" - استشاري كلى الأطفال في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث - زواج الأقارب واحداً من أبرز أسباب ارتفاع عدد الأطفال المصابين بأمراض الكلى؛ بسبب العوامل الوراثية، وذلك في تصريحات صحافية بثتها "واس" دعا خلالها إلى اتخاذ كافة التدابير الوقائية من أجل مواجهة هذه الأمراض من خلال التوعية والتثقيف والقضاء على مسببات المرض، قائلاً: "إن المملكة تعد من أكثر دول العالم في الإصابة بأمراض الكلى، بسبب الأمراض الوراثية نتيجة زواج الأقارب المنتشر في مجتمعنا". وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أن المتتبع لزواجات الجيل الجديد، يستنبط ميلهم إلى "زواج الأقارب" الذي بدأ يستعيد وهجه الذي خفت في العقود الأخيرة؛ وذلك بسبب ارتفاع مستوى المعيشة وتضاعف متطلبات الزواج، وتدني الدخل، وتزايد الفارق الاقتصادي والاجتماعي بين العوائل المختلفة، وإساءة البعض لاستخدام التقنية بعيداً عن أعين أولياء الأمور، جعل الكثيرين يتجهون إلى "زواج الأقارب" بحثاً عن الطمأنينة والراحة النفسية مرددين المثل الشعبي القائل "وجه تعرفه ولا وجه تنكره"!.