تنتشر في المملكة وخصوصاً المنطقة الشرقية أمراض الدم الوراثية، وتشكل عائقاً كبيراً أمام الكثير من العائلات في تزويج أبنائهم من بعضهم البعض، مهما كان لهذا الزواج من مميزات اجتماعية وضمانات، ولكنها تذهب هباء أمام مايترتب على هذا الزواج من إنجاب أفراد مرضى يشكلون عبئاً كبيراً على الأهل والمجتمع. معاناة فاطمة "فاطمة" فتاة ولدت ضمن أسرة تعاني كثيراً من أمراض الدم الوراثية فوالداها قريبان من نفس العائلة، ومع أنّ فاطمة حالفها الحظ؛ لتكون سليمة وحاملة للمرض فقط؛ إلاّ أنها كانت تتألم كثيراً مما تراه من معاناة إخوتها خاصةً أختها التي تكبرها، والتي لاتلبث أن تخرج من المستشفى لتعود إليه. وكان والد فاطمة رجلاً مثقفاً ويبدو واعياً، وكان يشارك في إعداد حملات تثقيفية وتوعوية مختلفة للمجتمع منها ما يتعلق بأمراض الدم الوراثية وما يترتب عليها، ومع كل هذا الوعي نجد والد فاطمة يضرب بكل هذا عرض الحائط؛ ليرغم فاطمة على الزواج من ابن عمها معللاً بأنه الزوج المناسب، وأنّ الصحة والمرض بيد الله وحده، مؤيداً لأعراف وعادات العائلة. واليوم تعيش فاطمة مع طفلين مصابين بأمراض الدم بالوراثة متنقلة بهما بين المستشفيات، ومع أنها لم تكمل عامها الخامس والعشرين إلاّ أن من يشاهدها يعتقد أنها في الأربعين، فمتى يتغلب لدينا العقل على العاطفة والصحيح على الأعراف أوالتقاليد؟. «الفحص الطبي» غير ملزم و«المجاملة» على حساب تشوهات خلقية عند الجنين غير مجدية طرق وأنواع وأوضح "د.محمد بن خالد العبدالعالي" -من وحدة أمراض الدم في مستشفى الملك فهد بالهفوف- أنه توجد طرق وأنواع متعددة لانتقال وحدوث الأمراض الوراثية؛ فمنها السائدة والمتنحية أو المنتقلة على الكروموسومات الجنسية، أو تلك الناتجة عن خلل عددي في الكروموسومات أو نتيجة طفرات جينية، معتبراً زواج الأقارب من العوامل التي قد تزيد فرص حدوث الأمراض الوراثية من النوع المتنحي؛ فبعض الأمراض قد تكون نسب وقوعها في المجتمع في حالات زواج الأباعد ضئيلة جداً، وبنسب أقل من 1 لكل 1000 ولكن فرصة حدوثها قد تصل إلى 1 لكل 10 في حالات زواج الأقارب. زواج الأقارب وأضاف: أجرى فريق طبي من جامعة الملك سعود -شمل جميع مناطق المملكة الإدارية أثناء العامين 2004- 2005م- تبين أن نسبة زواج الأقارب استمرت مرتفعة وكانت النسبة 56% سجل أعلاها في المدينةالمنورة بنسبة 67%، والأدنى في أبها 42%، وكانت نسبة زواج الأقارب في القرى والهجر بمعدل 60% مقارنة بنسبة 55% في المدن، وتظهر مجموعة من الدراسات أنّ نسبة زواج الأقارب في الرياض والمنطقة الشرقية هي حوالي 52%، وهذه النسب تضع جميع مناطق المملكة في نطاق المناطق التي ينتشر فيها زواج الأقارب بصورة كبيرة. كلما كانت نسبة انتشار المرض في الأسرة أعلى زادت الفرصة والعكس صحيح حدوث التشوهات وأشار "د.العبدالعالي" إلى قيام مجموعة من الأبحاث بدراسة وجود ارتباط بين زواج الأقارب وحدوث الأمراض الوراثية بالمملكة، وأظهرت النتائج أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين زواج الأقارب وحدوث متلازمة داون أو فقر الدم المنجلي أو فقر الدم نتيجة عوز خميرة جي 6 بي دي (الأنيميا الفولية) أو داء السكري من النوع الأول أو الربو الشعبي، بالمقابل فقد أظهرت النتائج وجود ارتباط بين زواج الأقارب وزيادة فرص حدوث التشوهات الخلقية عند الجنين خاصة التشوهات الخلقية القلبية. د.محمد العبدالعالي توارث المرض وأوضح أنّ هناك عوامل عديدة مؤثرة تلعب دوراً هاماً بجانب زواج الأقارب في انتشار الأمراض الوراثية، ومن أهمها طريقة توارث المرض، ونسبة انتشاره في المجتمع، ووجود تاريخ للمرض في الأسرة من عدمه، فزواج الأقارب قد يكون عاملاً يزيد من فرصة حدوث الأمراض الوراثية من النوع المتنحي، ولا يكون له ذلك الأثر في الأنواع والطرق الأخرى، مشيراً كذلك إلى نسبة انتشار المرض في المجتمع، فكلما كانت النسبة أقل زاد دور زواج الأقارب في احتمالية حدوثها، والعكس صحيح، فكلما زادت نسبة انتشار المرض وتجاوزت 12% من حاملي صفة المرض بالمجتمع كانت فرص حدوث المرض متماثلة في حالة زواج الأقارب أو الأباعد، إضافةً إلى تاريخ المرض في الأسرة، فكلما كانت نسبة انتشار المرض في الأسرة أعلى زادت الفرصة والعكس صحيح بغض النظر عن نسبة الانتشار في المجتمع. سلمان الحجي الأكثر شيوعاً وأكد "د.العبدالعالي" على أنّ أكثر أمراض الدم الوراثية الهامة شيوعا بالمملكة، "الأنيميا الفولية" وهذه ليس لزواج الأقارب دور هام أو مباشر في زيادة فرص حدوثها؛ لأنها تنتقل بواسطة الكروموسوم الجنسي X، و"الأنيميا المنجلية" وهذه تختلف من منطقة لأخرى ففي المناطق التي تكون فيها نسب حمل صفة المرض منخفضة وأقل من 12% مثل الرياض والقصيم والمنالطق الشمالية فهنا يكون زواج الأقارب عاملاً يزيد من فرصة حدوث المرض خاصة في الأسر التي فيها تاريخ حدوث للمرض، مضيفاً: أما في المناطق التي تكون نسبة الانتشار عالية، وقد تصل إلى 25% مثل المناطق الشرقية والجنوبية، وبعض المواقع بالمنطقة الغربية فهنا لا يكون لزواج الأقارب دور هام في فرصة وقوع المرض فالفرص عالية على أي حال إلا في حالة خلو تاريخ أسرة معينة من حدوث المرض فهنا قد يكون زواج الأقارب في هذه الأسرة أقل عرضة لوقوع هذا المرض بالتحديد. عبد المنعم الحسين الوقاية وقال: "إنّ برامج الوقاية المتعددة تسهم كثيراً في الحد من انتشار هذه الأمراض، ويبدو أنّ أكثرها ملاءمة لمجتمعاتنا الشرقية العربية هي برامج الفحص الطبي المبكر أو ما يسمى الفحص الطبي قبل الزواج"، مؤكداً على أنّ برنامج الفحص المطبق حاليا بالمملكة قد يكون أكثر قوة وفائدة في حالة تطبيقه في مراحل عمرية مبكرة، وهذا سيتيح فرصة إجراء الفحوص بصورة أكثر دقة، ويتيح لمقدمي خدمات المشورة الوراثية تقديمها في وقت أكثر ملاءمة ما يوفر للمقبلين على الزواج بيئة أفضل لاختيار قرارات صائبة دون التعرض لضغوطات الاختيار في اللحظات الأخيرة قبيل إتمام الزواج، داعياً إلى ترك حرية إتمام الزواج من عدمه للمقلبين على الزواج هي نقطة تتماشى مع أخلاقيات الاسترشاد الوراثي وتتناسب مع حالات معينة قد يكون فيها إنجاب الذرية مستبعداً أو غير ممكن كحالات الزواج بعد سن الإنجاب أو حالات العقم. د.خالد الحليبي الوعي المجتمعي وأوضح "م.سلمان الحجي" -عضو المجلس البلدي في الإحساء- أنّ هناك حرصاً من الوالدين على أن تكون زوجة ابنهم من الأقارب في العقود الماضية بصورة أكثر كما هو في المجتمعات التي يكون فيه ضعف نسبة تدخل الزوج في قرار اختيار الزوجة، ولعل من أبرز الأسباب التي تشجع زواج الأقارب ما يلي: المعرفة الدقيقة، والعادات والتقاليد، وقلة التكاليف مقارنة بالزوجة خارج إطار العائلة، وقوة العلاقة والشراكة، والاعتزاز بالنفس، وأجواء العلاقات العاطفية، والخوف من العنوسة، مشيراً إلى تزايد الوعي مع قرار الدولة بأهمية الفحص قبل الزواج عبر الدور البناء المقدم من الجمعية المسؤولة عن الأمراض الوراثية، وتوجيه الأطباء والمأذونين والمثقفين للمقبلين على الزواج للمخاطر التي قد تنتج من زواج الأقارب في الحالات غير الآمنة. تكاليف الأمراض وعدد "الحجي" التكاليف التي تنتج من تلك الأمراض ومنها التكاليف المحاسبية بحسب المخصصات المالية التي ترصد من ميزانية الدولة لتلك الأمراض، وما قد تدفعه الأسرة لدى العلاج في المستشفيات الخاصة أو في حالات الطوارئ، وكذلك تكاليف اقتصادية ويقصد بها تكلفة الفرصة البديلة لو تزوج الشاب وفق الطريقة الآمنة بحيث وفر تلك المخصصات المالية ليتم توظيفها في جوانب أخرى لتنمية مشاريع الدولة والأسرة، إضافةً إلى التكاليف الاجتماعية عندما تنشغل الأسرة التي بها مرضى بأحد الأمراض الوراثية؛ بسبب زواج الأقارب بعلاج أولادها، فإضافة لشلل الإنتاج للمريض في تلك المرحلة التي قد تطول وقد يكون لأكثر من فرد وأثرها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مما قد يجر ما حوله للتوقف عن العمل من أقارب أو أصدقاء وغيرهم في سبيل متابعة الوضع الصحي للمرضى. التوافق وأشار "عبد المنعم الحسين" إلى أنّ التوافق بين الزوجين يكون أثره في استقرار الزواج، وكل تلك المأثورات إنما هي إشارات واضحة لتطبيقات حديثة معاصرة من مثل الفحوص ما قبل الزواج لبحث التوافق، في فصائل الدم وبحث موضوع الأنيميا أو تكسر الدم، وغيرها من الأمراض الوراثية التي من الممكن قيام الطب الحديث بالاستبصار فيها لأضرار قد تقع على الأولاد الناتجين من هذا الزواج وما يعانونه مستقبلاً، من أمراض وأعباء ومتاعب على أنفسهم وعلى والديهم وأسرهم وإرهاق لميزانية الدولة بتكاليف علاج وخسائر مباشرة وغير مباشرة على المديين القريب والبعيد. تكثيف التوعية ودعا إلى تكثيف اللقاءات والمحاضرات وحملات التوعية بمرض الثلاسيميا، ومن المفضل قيام الإعلام بدوره خاصة في المناطق الأكثر انتشارا في هذه المشكلة، ومن المهم جدا التوعية بمشكلات زواج الأقارب الذي تحدث عنه العلماء في القديم قبل الحديث بأنّ أثر زواج الأقارب على الاولاد أثر سلبي، فقد قالت العرب قديماً بنات العم أصبر والغرائب أنجب، ولقد أهلك الرجال وأفنى الأسر زواج الأقارب الذي يسبب مشكلات خلقية على النسل، وكذلك تأثيرات مشاهدة على العقل والذكاء وأيضاً مشكلات من الأمراض التي منها تكسر الدم وغيرها من الأمراض الوراثية. مسؤولية عظيمة وقال "د.خالد الحليبي": "إنّ صدور نظام إلزام الخاطبين بإجراء الفحص قبل الزواج، والعمل بنتائجه مسؤولية عظيمة تقع على عاتق كل من الطرفين، فليس صحيحا تغليب العاطفة على العقل، ويكونا أنانيين بأن يتزوجا لوجود حب بينهما على مصلحة صحة الأولاد وسعادتهما، وإنجاب ولد واحد ليس سوياً مع وجود ما يمنع من ذلك بإذن الله تعالى، هو عمل غير إنساني، بل هو استجلاب للشقاء الدائم للجميع".