لم تكن تعلم "أم خالد" أن إخفاءها لخبر زواج ابنتها التي كانت تتقاضى من الجمعية الخيرية مبلغاً من المال لإعاشتها على مدار ستة أشهر سوف يفتضح، ليكلف التحايل "أم خالد" الكثير، فقد قررت الجمعية أن تغرمها جميع المبالغ التي كانت تستلمها عوضاً عن ابنتها غير المستحقة، والتي وصلت إلى أكثر من (2000) ريال؛ ليكون ذلك درساً لها لن يتكرر، وخصوصاً أنه جاء على حساب جهة خيرية هدفها مساعدة المحتاجين والفقراء. ربما كان ذلك التصرف جهلاً من "أم خالد" المرأة الطاعنة في السن، حيث لم تكن تعلم أن في ذلك التصرف تحايلاً على أموال الزكاة، وأنها أخذت مالاً دون وجه حق، فلو علمت تلك السبعينية أن تحايلها على المال العام يفسد عليها حرمة طعامها وشرابها، لم لجأت إلى ذلك الفعل، حتى وإن بُرّر بالحاجة وشدة الضيق. وظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من المؤشرات التي تدل على أن نسبة كبيرة من الناس يتحايلون على أموال الدولة، والجهات الخيرية تحديداً بذريعة الحاجة، وما يؤكد ذلك ما صرح به وزير العمل مؤخراً عن وجود أكثر من (3000) متوفى من بين المسجلين في نظام حافز، حيث تم اكتشاف التحايل عن طريق (12) قاعدة معلومات مشتركة مع عدد من الجهات الحكومية، كما أن تطبيق "نظام الموارد" بواسطة مركز المعلومات الوطني بوزارة الداخلية استطاع خلال خمس سنوات توفير 100 مليون ريال بعد ضبط إجراءات "انتدابات" أو "خارج دوام"، كذلك هناك تحايل متعدد الوجوه للحصول على إعانات الضمان الاجتماعي، من خلال تقارير ودراسات مسحية اجتماعية غير دقيقة، إضافة إلى التحايل في التسجيل لدى الجمعيات الخيرية وهناك مستحقون جديرون بالتسجيل، أو التحايل في أرقام رأسمال الشركات والمؤسسات هرباً من تسديد مستحقات الزكاة والدخل، وغيرها كثير. اكتشاف 3000 متوفى مسجّل في «حافز» وتلاعب في «خارج الدوام» و«الانتدابات» ورأسمال الشركات هرباً من الزكاة والدخل! وهنا يُطرح أكثر من سؤال: ما الذي يدفع البعض لأن يتحايل في سرقة المال العام؟، هل هي الحاجة؟، أم الطمع؟، أم الجهل؟، أم ثقافة المراقبة الذاتية التي لابد أن تأتي من الضمير الحي؟، وهي الثقافة الغائبة في مؤسساتنا التعليمية والمجتمعية والتي لم يتشبع منها المواطن؟. "الرياض" تطرح الموضوع لمعرفة أسباب "الاحتيال على فلوس الحكومة"، فكان هذا التحقيق. قضية مهمة في البداية قالت "حليمة المطر": لا يوجد أسوأ من أخذ مال ليس للإنسان حق فيه، مضيفةً أن إحدى معارفها والتي أخفت التحاقها بإحدى الشركات الجيدة والتي قدمت لها راتباً لا يقل عن (5000) ريال، عن الجمعيات الخيرية وكذلك الشؤون الاجتماعية، وما ساعدها أنه لا يوجد للشركة تأمين وبالتالي لم يستطع أحد إثبات أنها موظفة، ذاكرةً أنها بقيت سنوات تحصل على راتبها والمساعدات من الجهات الخيرية، على اعتبار أنها في وضع مالي صعب، مشيرةً إلى أنه حينما حاول البعض توجيه النصح لها بأن تتوقف عن الحصول على الإعانات الخيرية، أبدت غضبها وأن ذلك يدخل ضمن الحرية الشخصية، موضحةً أن القضية مهمة وأهم من مجرد تحايل، فالمسلم عليه أن لا يأخذ من بيت مال المسلمين ليأكله وهو غير محتاج، في حين سُلب حق فقير آخر دون وجه حق، ليدخل في موضوع المال الحرام، لافتةً إلى أن البعض يعتقد أن ذلك التصرف ليس فيه حلال أو حرام، والمبرر الوحيد لهم أنه مال الدولة وهو مال كثير لن ينقص منه شيء!. فئات غير مستحقة تحرم محتاجين من الحصول على «الضمان» وإعانات الجمعيات الخيرية ثواب وعقاب وتتفق معها "نجلاء عبدالهادي" التي ترى أن هناك الكثير من الناس لديه ضعف في الذمة والضمير، فيسرق من المال العام دون حياء أو خوف من الله، مستشهدةً بسلوكيات جارهم الذي يمتلك سيارتين لتعبئة الماء المحلاة، والمخصصة للمحتاجين والمواطنين، حيث يبيع تلك المياه بمبلغ من المال للتربح، بل وأعتاد على فعل ذلك مجاهرةً دون حياء، مؤكدةً على أن غياب ثقافة الثواب والعقاب على من يستغل المال العام دون وجه حق، أدى إلى تكاثر من هؤلاء المستغلين، الذين يحاولون أن يأخذوا دون تأمل لأنظمة وقوانين البلد التي يعيشون فيها، مشيرةً إلى أن في ذلك هدراً للقيم الإنسانية وانتهاكاً للحقوق، وإضعافاً لمبدأ العمل الخيري الذي قد يستغل مما يقلل نموه بشكل كبير. د.العلي: فوضى وهدر للمال وإفشال لخطط الدولة في مواجهة تجاوزات النظام توظيف العاطلين أما "عبدالمحسن علوي" فينظر إلى الموضع بطريقة مختلفة، حيث يرى أن غالبية من يحتال على الجمعيات الخيرية أو الجهات الاجتماعية، وكذلك من يدعي الفقر فيحصل على صدقات الأغنياء وهو في وضع مادي معقول، لا يعود ذلك فقط إلى مجرد التحايل والسرقة، فالإصرار يعني أنه في حاجة مادية بشكل أو بآخر، بمعنى أن المتحايل قد لا يكون وضعه المادي سيئاً، ولكنه مازال يحتاج إلى تقديم المساعدة، لذلك فهو يصر على هذه الطريقة، موضحاً أن الحل في تقنين عدد المتقاعسين عن العمل، وكذلك في توظيف العاطلين منهم بإمكانيات جيدة؛ لأن المحتاج حينما لا ينطبق عليه شرط من شروط استحقاق الصدقة، فإنه يلجأ إلى التحايل حتى يحسن من وضعه المعيشي، وهو يريد أن يضمن دخل ولو بسيط ليدعمه في تكاليف الحياة الصعبة، مؤكداً على أن مشكلة الفقر لابد أن تُحل من جذورها، وأن تعليم وتثقيف المجتمع هو من أولويات ما يجب أن يوضع في قائمة المؤسسات المدنية والتعليمية، ثم ترسيخ حب العمل بشرف حتى وإن كان بسيطاً، بدلاً من الاعتماد على التحايل على أموال الحكومة. معونات غذائية وترى "مشاعل السعيد" أن حالات الاحتيال على المال العام وسرقت الحقوق أصبحت موجودة بشكل كبير، مضيفةً أن جارتها تحصل من الجمعيات الخيرية على معونات غذائية و"بطانيات"، لتبيعها على المتاجر بسعر أقل، ولم تكتف بذلك بل إنها تدفع الكثير من أقاربها لانتزاع تلك الإعانات، حتى وإن لم يكونوا بحاجة إليها، حتى تأخذها منهم وتبيعها بأسعار متفاوتة، موضحةً أن التحايل لم يطل الجمعيات الخيرية فقط والإعانات المقدمة من بعض المؤسسات الخيرية والمجتمعية، بل أصبح يطال استغلال المستشفيات الحكومية والمساجد والمدارس، فهناك مؤذن سكن في المنزل الذي منحته الأوقاف إليه ليؤجر منزله بسعر مرتفع، وهناك من يستمر في الحصول على مساعدة ابنه المعاق التي خصصتها الدولة له كإعانة، ولكن الابن متوفى!. احترام الأنظمة وأكد "د.محمد العلي" -عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة- على أنه يجب على كل مسلم احترام الأنظمة والقوانين التي وضعها ولي الأمر؛، لأن ذلك يؤدي إلى نتيجة تحقيق المصالح العامة للجميع، فلا يحق لأي مواطن الحصول على شيء عن طريق التحايل على الأنظمة والخداع، فذلك يتسبب في نقصان حق الفقير والمحتاج الذي كان هو أولى بتلك المساعدات، مضيفاً أننا نطمح دائماً إلى ما يسمى "دولة القانون" و"دولة النظام"، وهي التي يطبق فيها النظام ذاتياً من قبل المواطنين دون رقابة، مشدداً على أن ذلك يتطلب إعداد المواطن من ناحية التعليم في احترام الأنظمة والقوانين وعدم التحايل عليها، فالقضية شخصية تربوية، مشيراً إلى أن ذلك ما تتحمله المؤسسات التعليمية التي ينبغي أن تعلم المواطن كيف يحترم الأنظمة، وأن لا يتعمد التحايل عليها، وكأن أموال الدولة أموال مستباحة. فوضى وهدر وأوضح "د.العلي" أن في ذلك التحايل فوضى وهدر للمال العام، مضيفاً أن طرح القضية وتحليلها لابد أن لا يعتمد فقط على وسائل الإعلام، بل حتى في المؤسسات التعليمية والجامعات، فخداع المسؤولين مشكلة تربوية لابد من إيجاد الحلول لها؛ لأن فيها إفساد للكثير من خطط الدولة، وفيما يتعلق بتبرير التحايل بضعف الحال، ذكر "د.العلي" أن ذلك لا يجوز شرعاً، وهو أخذ للمال دون وجه حق، مبيناً أن من يستغل ما يُصرف من الدولة كمساعدة للمحتاجين ويبيعها ففي ذلك سرقة أيضاً، ذاكراً أنه يوجد مع الأسف نفوس ضعيفة تعتقد أن بمقدورها استباحة أموال الدولة، وذلك لا يجوز شرعاً، وفيه تعدٍ على حقوق الآخرين.