يقول المفكر العراقي الدكتور علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري) بأن الإنسان مجبول على أن يرى الحقيقة من خلال مصلحته ومألوفات مُحيطه، فإذا اتحدت مصلحته مع تلك المألوفات الاجتماعية صعب عليه أن يعترف بالحقيقة المخالفة لهما ولو كانت ساطعة كالشمس في رابعة النهار. وهذا في الواقع هو المأزق الذي تعاني منه بعض الشعوب ومنها بالطبع نحن العرب. الحقيقة لدينا تخضع للعواطف ومن النادر أن تجد من يقول لك تفاصيل الأحداث بتجرّد تام. لنضرب مثلاً أحداث ما يُسمى بالربيع العربي. أي طرف من الأطراف يقول الحقيقة؟ وكيف سيصدق المتلقي تلك التناقضات التي تنهمر عليه كالسيل؟ والى متى يستمر عدم احترام عقول الناس؟ إن الذي يحاول إخفاء الحقيقة إنسان خائف وفاقد الثقة بالنفس. الإنسان الواثق من نفسه ومن قراراته وصحة موقفه يسعى مباشرة إلى الحقيقة ويكشفها دون خوف أو وجل. على الصعيد المحلّي يلاحظ أيضا عدم ثقة (البعض) بما يصدر من بيانات أو توضيحات من الأجهزة الرسمية رغم أن ما يرد فيها غالباً واضح وحقيقيّ. بعد حادث احتراق المدرسة في جدة شاركت في البرنامج التلفزيوني صباح السعودية للتعليق على الحدث. قبل المشاركة بساعة طلبت منّي إحداهن على الفيس بوك أن أتحدث عن عدد الضحايا الذي لم يُعلن عنه الدفاع المدني. قلت لها وهل لديك معلومات مؤكدة عن هذا الأمر. قالت نعم، إنهم يتكلمون في التويتر والفيس بوك عن أعداد كثيرة ماتت بسبب الحريق. قلت وما هي مصلحة الدفاع المدني أو غيره من الأجهزة لكي يخفي الحقائق؟ الكوارث تحدث في كل مكان بالعالم ولا عيب في الإفصاح عنها. وبالفعل لم يثبت إلا ما أُعلن عنه. قيل بأن الحقيقة لا يمكن أن تبقى مدفونة للأبد لهذا من الأفضل إيضاح الحقائق من بدء وقوع الحدث وبكل شفافية حتى يتم وأد القيل والقال وإطفاء الإشاعات التي يُطلقها أصحاب القلوب المريضة الذين يهابون الحقائق ويقتاتون على الأكاذيب. قوة الحقيقة في دوامها وثباتها فلتكن أعمالنا وأقوالنا حقائق كالشمس في وضوحها.