قصة حقيقية .. في بداية العام 2003 م ومع تباشير فورة الاسهم المحلية واحتدام المضاربات على الشركات كان أحد الزملاء موظفا بسيطا في غرفة التداول في أحد البنوك المحلية المشهورة. مجال عمل هذا الزميل كان بسيطا للغاية فهو يتلقى الاوامر عبر الهاتف من عملائه لشراء وبيع الاسهم .. كان الموظف نشيطا وامينا ومخلصا ويبذل الجهد اللازم لتحقيق الاهداف الموضوعه له من قبل ادارة البنك كما انه يتمتع بسمعة ادبية جيدة بين عملائه وكذلك مرؤوسيه. مع مرور الوقت واكتساب الخبرة من خلال الاحتكاك والتواصل مع كبار المضاربين من عملاء بنكه اصبحت لديه القدرة على معرفة خبايا السوق وكيفية المضاربة على الاسهم وتحقيق الارباح في فترات قصيرة كما اكتشف مدى حساسية منصبه بالرغم من تواضع مسمى الوظيفه ودخلها وان عمله في ادخال الاوامر المباشرة في السوق اعطاه ميزة نسبية تنافسية عن غيره فقد كان بطريقة احترافية يشتري قبل المضاربين ويبيع قبلهم. مع الوقت أصبح الزميل اكثر اخلاصا واكثر نشاطا ليس لبنكه وعملائه بل لنفسه ولمحفظته الشخصية واستطاع خلال أقل من 18 شهرا من بداية عمله في البنك من تكوين شبكة متشعبة من العلاقات، كما كانت لديه القدرة على التواصل مع القائمين على محافظ كبيرة من بنوك اخرى واصبحت لديه مجموعة من المحافظ التي يديرها بصفة شخصية تتجاز قيمتها 300 مليون ريال بالرغم من ان راتبه الشهري في البنك لم يكن يتجاوز 8 الاف ريال. رؤساؤه في العمل كانوا على دراية بما يدور ولكن بسبب قدرته على جلب المزيد من العملاء وتحقيق معدلات قياسية من الارباح للبنك تم غض النظر جزئيا عن بعض من تلك الممارسات الخاطئة كما أن الأمر لا يخلو من مصالح شخصية متبادلة مع بعض من هم في الادارة العليا. في العام 2005م كانت هناك هزة متوسطة في سوق الاسهم حيث تدهور مؤشر السوق بشكل دراماتيكي لفترة معينة ثم عاد وواصل الصعود ، الزميل لم يتعلم الكثيرمن تلك الهزة بالرغم من أنها كانت جرس انذار لمن كانت له أذن تسمع أو عين تبصر. ازداد الزميل اخلاصا لنفسه ولمحفظته كما ان الطمع والجشع أعمى بصره وبصيرته ، اشترى منزلا فخما وسيارات متنوعة اصبحت لديه ديوانيته الخاصة يلتقي فيها بمن يشاركه المضاربه في السوق. مع بداية الربع الرابع من العام 2005م استقال من البنك وأسس مكتبا خاصا لبيع وشراء الأسهم واستخدم علاقاته ومحفظة الأسهم الخاصة به للحصول على تمويل بنكي للمضاربة في سوق الاسهم . المثير في الامر أن الزميل نسي أو تناسى بحكم وضعه الجديد وثرائه السريع أن موقعه السابق في غرفة التداول كانت له ميزة مهمة وهي سهولة الحصول على المعلومة وسرعة التجاوب معها فقد كان في قلب السوق يشتري قبل المضاربين ويبيع قبلهم، أما الآن فقد أصبح ندا للمضاربين الآخرين ومنافسا لهم في حصد الارباح فأصبح يعاني في الحصول على المعلومة. الا ان ذلك لم يجعله يتوقف أو يتدبر بل واصل المضاربة في السوق بلا هوادة واهما ان لديه مناعة من أي خسارة وانه ليس بحاجه لاحد. لن اطيل على القارئ الكريم ، جاءت ضربة فبراير 2006م وكانت مؤلمة للجميع وعلى رأسهم المضاربون خصوصا من كان حاصلا على تسهيلات بنكية مثل ذلك الزميل. لم يصدق أنه أخذ على حين غرة وهو المضارب المحترف. اتصل بالبنك طالبا تجديد التسهيلات وعدم بيع الاسهم، وبالطبع رفض طلبه، حاول ان يجمع بعضا من منافسيه المضاربين لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه، ولم يكن احد يصغي له لان الجميع مشغول في مصيبته ومحفظته. المهم ان المحفظه المليونية أصبحت بالسالب والخسارة تجاوزت اللحم والعظم . أتوقف هنا وأسال ما الفائدة من هذه القصة ؟ قد يقول البعض انها قصة مكررة من قصص كثيرة في احداث إنهيار سوق الاسهم في العام 2006م وأتفق مع هذا الرأي ، كما أن البعض الاخر يقول إن هذه نهاية طبيعية للجشع والطمع وهذا بالتأكيد أمر صحيح واكيد. إلا انني أزيد على ذلك وأقول إن مجريات واحداث هذه القصة بالذات تتكرر يوميا في غرف التداول في بنوكنا السعودية والمحظوظ من كان لديه زميل يعمل وسيطا في احدى غرف التداول في احد بنوكنا السعودية ذات الشفافية العالية والحوكمة المطلقة. لانني مؤمن ان الوسيط في تلك الغرفة مثل الواسطة للحصول على الارباح. والمثل يقول الواسطة كنز لا يفنى .. !