تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة اليوم (الجمعة) الثاني من ديسمبر بعيدها الوطني الأربعين. ولاحتفالات الإمارات اليوم بهذه بالمناسبة شكل وطعم ومضمون مختلف عن كل عام، خاصة وأن الذكرى الأربعين لقيام الاتحاد تستحق التقييم الشامل، ويبدو أن تنوع الاحتفالات والفعاليات المتعلقة بالمناسبة تعتبر أحد أشكال وتجليات التقييم لمسيرة الاتحاد، فالنهضة والتقدم والازدهار شملت كافة مجالات الحياة، والحضور الإماراتي على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والدولي قائم بقوة منذ اللحظة الأولى لقيام الاتحاد، فكانت دولة الإمارات العربية المتحدة حاضرة بفعالية في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وكانت صاحبة الموقف المتميز في حرب أكوبر (تشرين) 1973، وما زال الإماراتيون والعرب جميعاً يذكرون مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان-رحمه الله- مؤسس وباني نهضة الدولة « النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي». والأيادي البيضاء في فعل الخير ودعمه على المستوى الإسلامي والدولي تكشف عن دور الإمارات الكبير في هذا الصدد. أما الأمن والأمان والاستقرار فهي عناوين بارزة وكبيرة في دولة الاتحاد اليوم، وليس أدل على ذلك من توافد مختلف الجنسيات للعمل والزيارة والسياحة والإقامة في الإمارات العربية المتحدة، ويتجاوز عدد الجنسيات الحاضرة في الدولة 200 جنسية تعيش بمستوى متقدم من الأمان والاستقرار والطمأنينة والعمل دون أي مشكلات أو تعقيدات او تضييق من الدولة التي انصهرت في بوتقتها كل هذه الجنسيات المختلفة في انتماءاتها ومذاهبها. وينظر الإماراتيون دوماً إلى الثاني من ديسمبر من العام 1971 بأنه يوم مجيد وخالد يزهو به تاريخهم، وسيبقى هذا اليوم ذكرى غالية تورث للأبناء والأحفاد على مر العصور والأزمان، فذلك اليوم شهد ميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وجاء ميلادها إيذاناً بتحقق الحلم الذي طالما سعى إليه الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، متمثلاً في تأسيس دولة اتحادية قوية تركها أمانة في أيد أمينة، هي أيدي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، الذين واصلوا قيادة مسيرة التنمية بحكمة وإخلاص وعزم على نهج الآباء المؤسسين. وما يستحق الإشارة، هو أن الوحدة أو الاتحاد حلم يراود الإنسان والجماعة أينما وجد وبغض النظر عن المكان والزمان، ويسعى الإنسان دوماً إلى تحقيق الحلم وتحويله إلى واقع، لكن الوحدة أو الاتحاد يستدعي توافر مقومات الوحدة وشروطها التي أصبحت بديهيات لا بد منها في الشكل والجوهر والمضمون. الشيخ خليفة بن زايد. ويعتقد كثير من الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي والتاريخي، أن الأمة العربية هي أكثر أمة في العالم تمتلك مقومات وشروط الوحدة، سواء ما تعلق منها بالجغرافيا أو الديموغرافيا أوالثقافة والعرق والدين والمعتقد والتاريخ والعادات والتقاليد ومختلف القيم العامة والعناصر اللازمة للوحدة، وشهدت البلدان العربية محاولات عديدة عبر التاريخ الحديث من أجل الوحدة خصوصاً بعد التحرر من نير الاستعمار والانتداب الغربي، فهناك الوحدة المصرية السورية، التي دامت نحو ثلاث سنوات، وهناك أيضاً وحدة العراق والأردن التي لم تدم طويلاً في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وهناك مشروع وحدة مصر وسورية وليبيا، ووحدة شطري اليمن، وغيرها من محاولات وأشكال الوحدة التي عرفها التاريخ العربي الحديث، ونظر إليها الغرب والعالم نظرة خاصة ذات مغزى كبير، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل والزوال بصيغة أو بأخرى، في حين أن نموذج وحدة الإمارات يعتبر أمراً أو حالة مختلفة تتميز بالديمومة والاستمرار. ومن نافل القول انه قبل العام 1971 كانت هناك سبع إمارات كل إمارة قائمة بذاتها، لكن حلم الوحدة نظراً لما كان يربط تلك الإمارات من علاقات كان حاضراً بقوة في ذهن القائمين على تلك الإمارات السبع. وكان أن تحقق الحلم وولدت دولة جديدة وحملت اسم دولة الامارات العربية المتحدة، وهذا الاسم زاخر بالدلالات، فهي تتكون من سبع إمارات متحدة تتكلم العربية هي: أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة. ورأت الدولة النور واحدة موحدة متمثلة في العاصمة الإماراتية«أبوظبي» في الثاني من ديسمبر عام 1971 برئاسة الشيخ زايد بن سلطان الذي اشتهر بمقولات واضحة وقوية وواثقة فيما يتعلق بالوحدة، ومن بينها إن طريق المصلحة المشتركة قادنا في النهاية إلى الامارات العربية المتحدة، وإن الاتحاد يعيش في نفسي وفي قلبي وأعز ما في وجودي، ولا يمكن أن أتصور في يوم من الايام أن أسمح بالتفريط به أو أتهاون نحو مستقبله والاتحاد باق إلى يوم الحشر إن شاء الله. الشيخ محمد بن راشد. على المستوى الخليجي، فمن البديهي الإشارة إلى أن الحركة النشطة لدولة الإمارات على المستوى الخليجي تأتي انطلاقا من وشائج القربى والدين والجوار، والمصالح القريبة والبعيدة، التي لا يمكن وصفها بأنها مجرد مصالح متشابكة، بل هي مصالح واحدة. وسيسجل التاريخ بالفخر والاعتزاز للشيخ زايد (رحمه الله) أنه كان من أوائل الداعين إلى الوحدة بين دول المنطقة كأساس للوحدة العربية الشاملة، فلم يتوقف منذ قيام دولة الإمارات عن المطالبة بالوحدة الخليجية الشاملة، والدعوة المستمرة إلى التقارب بين دول الخليج العربية، فالعلاقات الخليجية في فكر زايد وضميره هي الوحدة المأمولة لكل دول المنطقة، وإذا لم تكن هذه الخطوة إلى الوحدة الخليجية قد تحققت سياسياً فإنها يمكن أن تتحقق اقتصادياً، فالاقتصاد والسياسة جوادان يشدان مركبة واحدة. ودولة الإمارات تؤمن بأهمية مجلس التعاون الخليجي وضرورة تطويره وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من خطوات بين أعضائه على صعيد التنسيق والتعاون والتكامل في مختلف المجالات، ولا تنظر الإمارات إلى المجلس باعتباره منظمة إقليمية مستقلة عن جسم الأمة العربية، بل تعتبره جهداً عربياً يسهم في تجميع بعض إمكانيات هذه الأمة، وتعزيز تضافرها بما يعود بالخير لا على أبناء هذا الجزء من الوطن العربي فحسب بل على الأمة العربية كلها، وليس أدل على ذلك مقولة الشيخ زايد الشهيرة «ما فائدة المال والثروة إن لن تسخر لبناء الإنسان وتعليمه.» ومنذ اللحظات الأولى لقيام دولة الامارات بدأ هذا الكيان الجديد في احتلال مكانه المناسب بين دول العالم، وكان ثمرة واضحة للجهد الحثيث الذي بذله الشيخ زايد رئيس الدولة واخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الامارات وحان الوقت للشروع بواحدة من أكبر وأجلّ عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة، فانصب الاهتمام على تعميم نشر الثروة وإعمار زوايا الوطن وتشجيع الزراعة والصناعة وبناء المؤسسات الاجتماعية ودفع الدولة حثيثاً نحو آفاق جديدة من التقدم والتطور العلمي والتقني عن طريق تنفيذ المشاريع وتمديد الطرق وبناء المطارات والموانئ وكل ما تحتاجه الدولة للظهور بحلتها المتطورة الجديدة، فدولة الاتحاد تؤمن على الدوام بأن ثروة المنطقة لأبنائها وكل مواطن في أي إمارة له كل الحقوق، وأثبتت السنوات الأربعون من عمر الاتحاد قدرته الكبيرة على تحقيق التقدم والعطاء والاستقرار في ارجاء البلاد، وأصبح الجميع مقتنعين بأهميته العظيمة وضرورة استمراره قوياً منيعاً لمواجهة التحديات وتجسيد أهداف الجميع في الأمن والرخاء والازدهار. وعندما ننظر اليوم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فإننا نرى اتساع المناطق الخضراء في ربوع البلاد، ونرى المئات من المشروعات الصناعية والبنائية والعقارية وشبكات الطرق والموانئ والمطارات، ولم تقصّر الدولة في تقديم الخدمات الأساسية وتحسين ظروف المعيشة والحياة الأفضل لجميع المواطنين، وبعد مرور اربعين عاماً على دولة الإمارات أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة قرارات تحقق مزيدا من الازدهار المعيشي للإماراتيين منها إنشاء صندوق برأسمال 10 مليارات درهم لمعالجة قروض المواطنين من ذوي الدخل المحدود وتسويتها وزيادة رواتب موظفي الحكومة الاتحادية ابتداءً من مطلع العام المقبل، 100% علاوة خاصة من الراتب الأساسي لأعضاء السلطة القضائية، 100% علاوة فنية مضافة للمعلمين وموظفي وزارة الصحة، معاملة أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب أسوة بالمواطنين ومنحهم الحق في جنسية الدولة في حال بلوغهم ال18، تخصيص 2500 قطعة أرض سكنية للمواطنين في إمارة أبوظبي ، وهكذا أصبح الاتحاد يعني السعادة للجميع. والإيمان بأهمية بناء المواطن تتصل حتماً بأهمية بناء الوطن والمحافظة على وحدته. ويعتقد كثير من المراقبين أن الاتحاد يسير في طريقه الصحيح، وتنتقل دولة الامارات معه من مرحلة قوة إلى أخرى، حتى أصبحت مدعاة فخر الجميع بالمنجزات الهائلة التي تحققت على أرض الوطن، انطلاقاً من القناعة بان الاتحاد هو الضمان الوحيد للاستقرار الأمني والرفاهية في هذا الجزء من الوطن العربي، وهذا يضع مصالح الاتحاد فوق جميع المصالح الأخرى. - مظاهر الفرحة في أبوظبي.