لست بالكاتبة ولم أدع يوماً أن علاقة من نوع ما تربطني بهذا النوع منها لكنها الأقدار تضعك أمام احداث تهزك تشجيك تدفعك نحو ما لا تجيده. سأحدثكم عنها هنا من عرفها ومن لم يعرفها ولا أريد منكم إلا الدعاء سأحدثكم عن امرأة تقية نقية. لم تكن أماً لي ولكنها كانت أماً للجميع بطيبتها وحنانها وحسن خلقها ونقاء قلبها كانت نوعاً من النساء يسقط في أعماق القلوب ويأبى الرحيل. امرأة أحبت الناس وأحبوها امرأة صالحة لا يفتأ لسانها رطباً بذكر الله.. لا تتوقف عن الدعاء لنفسها ولأولادها ولمن حولها بل ولجميع المسلمين. من ذا الذي سينسى دعواتها الدائمات الجميلة المصوغة في ذهنها باسترسال عجيب وسجع لطيف، فقد حباها الله بقدرة عجيبة على صياغة الدعاء بشكل أخاذ يستميل النفوس، بل ان كثيرا من النماس قالوا انهم أحبوها وأحبوا زيارتها والتواصل معها من أجل دعواتها الرائعة، وكانت دعواتها مبذولة للجميع لكل من تقدم لها بخدمة مهما يسرت أو ألقى على مسمعها كلمة أو عبارة حتى وإن كانت عابرة تصوغ تلك الدعوات بشكل عجيب يتناسب مع جنس ما قدم أو قيل لها. أخبرتها ذات يوم وأنا أجاذبها أطراف الحديث ان جدتي لأمي توفيت صغيرة ولم تخلف وراءها سوى أمي فسألتني عن اسمها كاملاً ثم أخبرتني بعد هذا الموقف بسنين انها منذ تلك اللحظة لم تنس الدعاء لجدتي.. فأي امرأة عظيمة فقدت؟؟ عن خالتي سأحدثكم.. عن امرأة جعلت من بيتها مزاراً مفتوحاً تهوي إليه افئدة الأقارب والأحباب والمعارف والجيران بيتاً مشرعة أبوابه تزوره متى شئت بلا موعد أو سابق تنسيق فهي دوماً في انتظارك. والترحيب بك وحولها كل ما تقتضيه الضيافة الكريمة. كانت - رحمها الله - مستمعة جيدة لاذاعة القرآن الكريم تنصت لكل ما يبث عبرها من برامج برغم ما كانت تعانيه من ضعف في سمعها ثم تجعل مجلسها مجلس ذكر من خلال طرح ومناقشة ما سمعته في الاذاعة وكأنها طالبة علم بالرغم من أميتها وكبر سنها. وكانت امرأة تحمل قلباً نقياً لا يعرف حقداً ولا حسداً أشغلته بالدين عن الدنيا، وبالباقية عن الفانية فأقبلت على البذل والعطاء ولم تبق شيئاً مما يصل إلى يدها، بل كانت تحاول دائماً أن تطلب ممن تعرف من المقتدرين لمن تعرف فقره وحاجته. وقد متعها الله مع قلبها الطاهرة بذاكرة قوية حتى آخر لحظات حياتها برغم ما ألم بها من ضعف ومرض فكانت تسأل عن الجميع واحداً واحداً وعن أحوالهم وتدعو لهم كلا بما يتناسب مع وضعه وحاجته. ويوم رحلت.. بكاها الجميع وافتقدها الجميع. نفتقد صوتها المحبب ونفتقد الجو العائلي الذي صنعه وجودها بيننا نفتقد دعواتها كما نفتقد افتقادها لنا.. في مرضها الأخير وأثناء إقامتها في المستشفى ومع اشتداد المرض وسطوته ظلت تسأل عمن يغيب ولن أنسى ما حييت أنها كانت تسأل عني إن تأخرت قليلاً عن زيارتها فأي أم حنون فقدت؟؟ وان كنت حدثتكم عنها فلابد أن أحدثكم عن أم فهد زوجة ابنها. هذه الإنسانة المعطاء المتواضعة ذات المروءة والقلب الكبير فقد كانت ساعداً لها في تهيئة البيت للزوار بالرغم من كثرتهم وتنوع أطيافهم ولم تكن تألو جهداً هي وأبناؤها وبناتها في خدمة أم زوجها وتوفير كل ما تحتاجه وما يمكنه أن يسهم في راحتها وقد رافقتها طوال فترة حياتها في صحتها ومرضها في أفراحها وأحزانها، فاستحقت دعوتها الدائمة «جعل يومي قبل يومك يا أم فهد». من ينسى تلك المرأة الصالحة.. من ينساك يا أم محمد؟؟ عجزت لأول مرة عن وصف مشاعري وأحاسيسي.. جف قلمي لأنه لم يجد الكلمات التي تستحقينها.. مريع هذا الفراغ الذي أحدثه رحيلك يا أمنا الغالية. بعدت يا أم محمد وبعد الحبيب لا يداويه إلا قربه.. فبكى فؤادي بدموع لم تجففها أناملي.. .. اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة واجمعني بها في الفردوس الأعلى ووالدينا وأحبابنا. سأذكرك دائماً. * زوجة ابنك