شيئان لا يُختلف عليهما، هذان الشيئان هما:أن الإنسان سُمي إنساناً لأنه يملك قيماً.. ويطبق مبادئ وأخلاقيات في حياته وممارساته،وأن سقوط هذه القيم وتلك الأخلاقيات معناه سقوط " إنسانيته"وذلك يعني وفاته وغيابه عن المشهد بالكامل.. أما الشيء الآخر فهو: أن الإنسان لا يمكن إلا أن يكون إنساناً واحداً.. يجتمع فيه العقل والعاطفة على اختيار واحد.. يجتمع فيه العقل والعاطفة على وطنية واحدة. وإذا وجد إنسان يؤمن بأن عقله في أرض.. وقلبه في أرض أخرى.. وأن ولاءه لمكان ولادته.. وعواطفه لمصادر ثقافته ،فإن هذا الإنسان المنقسم على نفسه يفقد إنسانيته.. كما يفقد كينونته، ويفقد وحدة مشاعره ونظافة تفكيره..ويكون بذلك مشطوراً..ومنقسماً إلى قسمين وتلك مواطنة مهزوزة.. ووطنية منقوصة..ووجود عدمي تسكنه وتخترق مشاعره الأوهام وتوجهه أكثر من قوة ،في أكثر من اتجاه.. فلا هو معك..ولا هو ضدك..ولا هو في النهاية مع قطرات الدم التي تسري في عروقه.. وتتغذى في نفس الوقت من أكثر من مصدر، وتتحرك في أكثر من صوب. ولا تشعر بالاستقرار.. وإلا فما معنى الوطنية؟ وما معنى التوحد في الولاء؟ وما معنى الوطن.. إذا كان الإنسان غريباً..حتى عن نفسه..غريباً عن أهله.. غريباً عن مجتمعه.. غريباً عن عقله..وغريباً عن كل محيطه ؟!لكن العقل الواحد..والقلب الواحد..والروح الواحدة.. في الجسد الواحد ..تحتاج إلى إحساس دائم.. بتوفير أمانٍ كافٍ.. وعدالة شاملة..ومساواة .. يتفق على الاستمتاع بها عقل الإنسان وقلبه..وذلك لا يمكن تحقيقه أو الوصول إليه.. إلا إذا أغلق هذا الإنسان عروق ثقافته الأخرى ،وسد مسامه..ووحد تفكيره وعواطفه، ودمج نفسه في مجتمعه.. في بلده..في أرضه.. وعاش لها وحدها..وقال نعم لهبوب الريح وأمطار الصيف.. ورطوبة سواحله الأجمل.. وقال لها: أنت لي وأنا لك.. ولا يمكن أن أكون لك.. ولغيرك.. فالوطن واحد.. والقلب وكذا العقل لا يمكن أن ينقسما ..أن يختصما.. أن يختلفا.. وإن كان الإنسان هو الإنسان، وكان الوطن هو عقل الإنسان وقلبه في آن واحد. *** ضمير مستتر [ لا يوجد وطنان.. يعيشان داخل إنسان.. هناك وطن واحد فقط.. وإلا فلا معنى لحياة يسكنها وطنان ]