** “وللأوطان في دم كل حر...” وراح استاذنا “العربي” يستحضر كل الكوامن في دواخلنا.. انه يستثيرها بطريقة مذهلة!!. كان يسرح بخيالاتنا الطفولية وهو يتحدث عن وفاء وشهامة وعزة الاحرار وهم يوفون للاوطان ويروون ترابها بالعرق والدم!!. استاذنا كان يحدد على (السبورة) ملامح الوطن العربي الكبير بدءاً من أقصى اليمين الى آخر نقطة في تطوان بينما كان يرسم ببراعة في نفوسنا علامات الانسان العربي الحر بانه ذلك الأبي “الذي يجرد حسامه من غمده، فليس له بعد ان يغمد!..” لم نكن نعي بعقولنا الصغيرة معنى (الأبي) ولا معنى (الحسام).. تماماً مثل ما كنا لم نعِ ان هناك وطناً اقرب لنا ما بين اليمن وتطوان.. هذا الوطن هو الاقوى التصاقاً والاكثر استحقاقاً، والسبب ببساطة ان حضرة الاستاذ لم يبدأ بنا من حيث (نحن) بل من حيث (هو)!!.. ربما نسياناً وربما تناسياً و في كلتا الحالتين فالخاسر روح طفولية كان يمكن لها ان (تشغف) بوطنها الحقيقي باكراً قبل ان تصل الى حدود تطوان!!. ** استاذنا (الشيخ العربي الآخر.. كان يغضب كثيراً حين كان يدخل علينا في الحصة التالية فيرى ذلك التحديد الجغرافي على السبورة!. كان يقول لنا هذه (قومية) مقيتة.. يجب ان نتجاوز هذا فالمسلم وطنه حيث هو لأن جنسية المسلم عقيدته!!. وأذكر بقية ما قاله: بأننا قد نكون هناك.. خلف البحار الدافئة او المحيطات المتجمدة..!!. وايضا بعقولنا الصغيرة لم نكن نفهم معنى (قومية) ولا مقيتة ولم تكن خيالاتنا بعد يمكن لها ان تصل الى اعالي البحار والمحيطات!!. ناهيكم من ان تفهم ماذا يريد الشيخ بجنسية المسلم عقيدته،؟؟.. ولا اظن مثل هذا سيكلف نفسه ان يشرح لنا شيئاً عن هذا الوطن الذي نستظل نحن وهو تحت سمائه ولا عن جنسياتنا الاصلية المجموعة مع اسمائنا وتواريخ ميلادنا داخل ملفاتنا المدرسية؟؟!. ** كبرنا وكبرت معنا مفاهيمنا.. ومن تلك المفاهيم.. المفاهيم الوطنية التي تشكل فيها قيم الولاء والانتماء العميق!. ولنكن اكثر شفافية ووضوحاً، اغلب تلك المفاهيم كانت مكتسبات فطرية بحكم تقدم الادراك ونضوج الفكر!. لا اظن لتربيتنا المدرسية اثر فاعل في غرس مثل هذه القيم!!. استذكروا كل ما اخذتم وعايشتم منذ الصغر في مدارسنا هل وجدتم شيئاً عن هذا؟؟ ولا نريد ان نعطي لانفسنا اجابة فضفاضة بأن مناهجنا فيها الكثير من التعاليم والاخلاقيات!!. لا أحد ينكر هذا ولكني أسأل عن شيء محدد!!. عن الوطنية بكل تأصيلاتها القيمة (ولاء وانتماء)؟؟!! ما مدى تطبيقات هذه القيم في احترام ناشئينا كمكتسبات الوطن؟؟.. في تعاملهم الواعي تجاه مقدراته؟؟.. في هويتهم الحضارية تجاه الوطن (ثقافة وسلوكاً)؟؟!!.. وفي اتون ذلك يأتي استحضار الوطن اين ما تكون؟ وفي كل ما نفعل؟؟!!.. اظن الاجابات لن تكون مقنعة لنا تماماً ولا مرضية لنا تماماً!! وحتى عندما حاولنا ان نوجد (تربية وطنية) اوجدناها بلا روح.. هكذا كيفما اتفق ولكن الامر هو مجرد سد ثغرة لا اكثر!!. ** (يا سادة).. (الوطنية) قيمة والقيمة ثقافة وسلوك.. وهذا لا يأتي فقط (فطرياً) مع كبر احجام رؤوسنا!!.. انها تربية والتربية تبدأ من هناك.. منذ الصغر!!. فماذا كنا نضخ في عروق صغارنا داخل حجرات بيوتنا واسوار مدارسنا؟؟!!. ** وتذكروا بأن ما نفعله (هناك) سيكون له اثر (هنا) في حصاد (المواطنة)!! فالمواطنة ليست سجلاً مدنياً ولا دفاتر جنسية.. انها (حس) في القلب قبل ان تكون (هوية) في الجيب!. وهنا يكمن الفرق ما بين مواطن ومواطن؟؟!. مواطن يكتسب وجهه شروق وطنه وآخر قد لا يستر قبيح فعله كل الاقنعة!. اما من يصنع الفرق؟ فهو نحن بما كنا نفعله بعقولهم الغضة هناك!!. ** وفي النهاية فاني اخلص الى التأكيد بأن تحويل الوطن الى قيمة في وجدان الاجيال هو ما نحتاجه في هذه المرحلة بالذات وهو ما يحتاج منا الى عمل كبير!. فبناء الوطن لا يكون بجدران الاسمنت وحدها وانما ببناء انسانه.. وهذا هو السر “الاصيل” في معركة التنمية الحقيقية!!. ** الوطن لا يُخسره درهمه ولا ديناره.. ما يُخسره ان يسقط ابناؤه بعض احجاره!! هكذا كان يقول القدماء!!.. وبالتأكيد لم يعد هناك من يشغل عقول صغارنا بحدود تطوان ولا ما بعد المحيطات المتجمدة.. ولكن هل نستطيع ان نملأ عقول الصغار بما هو داخل حدود الوطن؟؟!!. ** هذا ما نحتاج الى فعله!! خاتمة: في صباحاتك الخير .. وفي راياتك العز.. وفي تاريخك المجد.. فدام عزك يا وطن