بحسب نسبة الضحايا يعد الزعيم الكمبودي «بول بوت» الجزار الأول في التاريخ؛ ففي السبعينيات - وبهدف تخليص الكمبوديين من المثقفين البرجوازيين - قتل 30٪ من الشعب الكمبودي معظمهم من الذكور. ونتيجة لهذه المجازر انخفضت نسبة الرجال بشكل حاد واختل توازن الجنسين - لدرجة طالب البعض بالسماح للرجال بالزواج من امرأتين وثلاث.. ولكن كما حدث دائماً - وبطريقة غير مفهومة - شهدت السنوات التي تلت حكمه طفرة في معدل الولادات ارتفع على إثرها عدد السكان إلى ما كان عليه سابقاً وتساوت حالياً نسبة الذكور مع الإناث!! هذه الظاهرة لوحظت عبر التاريخ بعد المجاعات الكبرى والمعارك الطاحنة. فبعد انتهاء الحربين العالميتين ارتفعت نسبة الولادات في أوروبا لتعويض النقص الحاصل في عدد السكان.. وهذا الانفجار البيولوجي يستمر بقوة حتى تعتدل نسبة الشعب وتعود كما كانت سابقاً. وفي الغالب اقتصر معظم الولادات على الذكور - كونهم الأكثر موتاً على الجبهات - حتى تتساوى نسبة الجنسين!! كما حدث في كمبوديا تعادلت نسبة الجنسين بسرعة في روسيا (التي خسرت في الحرب الثانية 13,5 مليون رجل) وألمانيا (التي خسرت 3,5 ملايين رجل)، واليابان (1,3 مليون) والصين (1,32 مليون).. وهذه الأيام تتكرر نفس الظاهرة في أفغانستان والعراق!! وبالطبع لا نستطيع الادعاء أن ما يحدث محصلة لاتفاق عام أو سياسة مرسومة؛ ولكن من الواضح أنها نتاج خوف عميق يدفع الجنس البشري للتناسل خشية الفناء، والوالدين إلى الإنجاب بسرعة بعد فقد أحد الأبناء.. فدولة كبيرة مثل روسيا عادت بعد الحرب إلى رقمها السابق (146 مليون نسمة) ثم توقفت عنده.. وهذا نفسه ما حدث لدولة صغيرة كالباراجواي التي عادت إلى رقمها السابق (6) ملايين بعد حربها مع الأرجنتين!! ولكن في زمن السلم؛ ما الذي يجعل الأمم تتوقف عند حد معين لا تتجاوزه!؟ .. بمعنى، ما الذي يجعل كمبوديا تقف (قبل بوت وبعده) عند هامش ال13 مليون نسمة وروسيا (قبل وبعد الحرب) عند ال146 مليون نسمة والباراجواي دائماً في هامش الستة ملايين!؟ من الأسباب الرئيسية أن كل أمة تتناسل بالقدر الذي يسمح به نطاقها الحيوي ثم تتوازن وتتوقف عند رقم معين. فالبشر يقللون من تناسلهم في البيئة الفقيرة والبلدان المكتظة ، ولكنهم يتناسلون بحرية وبلا ضابط حين ينتقلون إلى (بيئة جديدة ومفتوحة).. فعلى سبيل المثال؛ قبل عصر الاكتشافات الجغرافية كان عدد السكان في بريطانيا وفرنسا متساوياً تقريباً. ولكن بعد اكتشاف الأراضي الجديدة هاجر بعض البريطانيين إلى الخارج وملأوا بسرعة المناطق الجديدة (في أمريكا وكندا واستراليا ونيوزيلندا).. واليوم وصل مجموع الشعوب الانجلوساكسونية خارج بريطانيا إلى 400 مليون نسمة في حين مازال عدد السكان داخل بريطانيا وفرنسا ثابتاً ومتساوياً لكل منهما قرابة ال (59 مليون نسمة)!! العجيب أن هذه الظاهرة تلاحظ أيضاً في عالم الحيوان والمخلوقات الدقيقة؛ فالحيوانات تتناسل بالقدر الذي يملأ محيطها الحيوي ثم تتوقف بشكل أوتوماتيكي عند رقم معين؛ فيستحيل مثلاً وجود خمسة فئران في كيس أرز واحد، وسوتين في كل بوصة من الدقيق، وأفعى إلى كل ثلاثة جرذان بالحقل، وبكتيريا العفن بحسب مساحة الطبق الذي تترك فيه.. وفي الحقيقة كل من ربى الحمام لاحظ أنها تتناسل إلى الحد الذي يملأ القفص ثم تتوقف عند حد معين حتى يبدأ ببيع قسم منها لتتكاثر من جديد!!