كم كانت السماء قريبة لاحتضاني, لحظة فاصلة جعلت الرحمة الإلهية تنتشلني من أنياب اللامبالاة لتمطر علي بمرحمة من رب رحيم ودود. أؤمن بالقضاء والقدر, وأؤمن تماما بأن الموت حقيقة لابد منها , ولكن عقلي الباطن رفض تصورها دون إشارات أو إحساس ممزوج بنكهة الموت المخيفة , مليا تفكرت كيف ممكن أن تكون.. كنت مستمتعة بأجواء المهرجان حد الانسجام والغرق في مهنة المتاعب لم استوعب ما حصل عندما خرجت تلك الأنياب المتشوقة لرائحة الدماء , فقدت الإحساس حينها لا بكاء .. لا صراخ.. ولا حتى مقاومة وكأن تلك الأنياب قذفتني في وسط محيط ثلجي لتفترسني ثلاثة أسود من كل صوب ( قدمي, كتفي, ورقبتي ) لا أعلم كيف أنقذوني وكيف انكمشت أنياب الأسود عن جسد فرغ قبل سويعات من ترديد أذكار المساء, ودعوات والدي التي أحاطتني بأن يحفظني المولى. لم يكن في ذهني وقتها سوى منظر والدي قبل خروجي لأداء مهام عملي الشاقة والشاقة جدا والممزوجة بلذة العمل الحر الجريء تحت مظلة (لا نخشى في الله لومة لائم)! انتشلتني ملائكة الرحمن وليس المروض من بين فكي الأسود دون إصابات مستعصية بحجم الحادثة التي أيقن فيها من رآني و زملائي وفاتي دون أدنى شك , مشيت على قدمي بهدوء وسكينة الفاجعة , لم تكن قدمي من تسيرني بل كانت هناك قوة خفية استشعرت وجودها تحملني بعيدا عن أنياب أبى الإله أن تتمضخ بدمائي .. شعرت بذرات الهواء تقتحم رئتي لتذكرني بأن هناك من يستحق مني سجدة شكر وامتنان , لم أذرف من عينيَّ الشاخصتين أي دمعة ... ضحكت بكيت وتنفست وقتها .. تماسكت حتى رأيت والدي, والدي فقط من له الحق برؤية دمعاتي وضعفي. والدي فقط من يستطيع حمايتي وتهدئتي, عندما ارتميت في حضنه ودسست رأسي في صدره بعمق حتى خيل إلي بأني اخترقت أضلعه , علمت بأني لا زلت أتنفس وأرى وأسمع نبضات قلبه الذعرة بعيدا عن زئير مخيف لازمني فترة ليست بالطويلة ! استغرقت وقتا ملياً حتى استوعب عقلي الباطن بأنني لا أزال كما ودعت والدي قبل خروجي.. هو فقط من بعث في نفسي الاطمئنان , احتضنني وهمس لي بهمسات مؤمن منفتح لا تجزعي يا صغيرتي ما حدث يستحق الحمد لا البكاء , حماك الله لأجل دعواتي بأن يحفظك المولى , وقال بلهجة قاطعة لكل لسان تأول ( ما حدث لابنتي حادثة عابرة , قدرها الله لها إن لم تحدث لها بصفتها الإعلامية فبصفتها زائرة للمهرجان كانت ستقع, وكفى!!) في ذاك الوقت العصيب استشعرت لهفة من رافقوني وشهدوا الموقف بصعوبته , وجزع أمي وانفطار قلبها, ودمعات شقيقاتي وأشقائي , وإنسانية رئيسي الأستاذ تركي السديري الذي لازم السؤال عني طوال فترة علاجي وبعد علاجي , وحنان وتوجيه من كافأتني الأقدار بمعرفتها الدكتورة هيا المنيع , تذوقت حلاوة الأخوة الطاهرة التي ربطتني بزملائي وزميلاتي. همسة: ما حدث اكسبني قوة وصلابة بها أتحلى وافتخر وأتشبث ملياً بعملي الإنساني الذي يعد صوت الضمير لكل مواطن ومواطنة, عرفني بأن القافلة ستسير وكلما زادت الأصوات من خلفها فهي شهادة بأنها أدت مهمتها على أكمل وجه.