تلقيت هذا الأسبوع كتاباً ثميناً..أصدره الصديقان العزيزان فوزي عبد المجيد شبكشي مندوب المملكة الدائم في الأممالمتحدة سابقاً.. والدكتور أسامة شبكشي الوزير وسفير المملكة الحالي في ألمانيا عن والدهم العظيم الأستاذ عبد المجيد شبكشي.. وأعده الإعلامي (محمد المنقري) بجهد متميز.. والكتاب وإن تناول قصة حياة أستاذ جيل من الطراز الأول ، إلا أنه لم يُلم بكل ما حفلت به حياته سواء في جانبها الثقافي.. أو المهني.. أو العملي في أجهزة أمنية حساسة.. كما أن الكتاب قدم إلماحات سريعة عن صلة المربي الفاضل والإنسان عبد المجيد شبكشي بالملك سعود والملك فيصل والملك فهد.. والأمير سلطان بن عبد العزيز والأمير عبد الله الفيصل يرحمهم الله.. وكذلك بالملك عبدالله بن عبدالعزيز أمد الله في عمره.. ولا يرجع ذلك الإيجاز لعجز في الإعداد.. وإنما يرجع إلى «تواضع» الراحل الكبير وعدم رغبته أصلاً في الكتابة عن تلك الجوانب الهامة في يوم من الأيام.. كما يرجع إلى التزام وتقدير ابنيه الوفيين لوالدهما الكريم بعدم التوسع في أمور قد تبدو من وجهة نظرهما وكأنها «تضخيم» للدور وللمسؤولية وللمهام التي نهض بها «الوالد» في مختلف مراحل ومحطات حياته.. وإن كانت هي كذلك. والحقيقة أنه بالقدر الذي أُقدّر فيه رغبة الصديقين في التركيز فقط على بعض الوقائع دون البعض الآخر.. إلا أنني أشعر كقارئ لهذا العمل التاريخي أن قصوراً ما قد حدث ليس فقط بحق الأب الجليل الراحل.. وإنما بحق الوطن أيضاً.. لأن الأستاذ عبد المجيد شبكشي كان شخصية غير عادية.. ولها مساهمات كبيرة وعلى أكثر من مستوى.. وكان أحد أبرز شهود مراحل هامة وحساسة في عمر هذه الدولة.. وتاريخ هذا الوطن.. وكانت لها مشاركات هامة في تلك المراحل كمفكر.. وكرجل دولة.. وكإعلامي.. وكأديب.. وكواجهة حجازية مشرفة.. في بلد يعتز بجهود الجميع في بنائه وتطوره ونمائه وهو واحد من أولئك البناة المخلصين. وقد أكون من بين محظوظين قلائل اطلعوا على هذا الكتاب «السفر» قبل نشره بحكم صداقتي الحميمية للأخوين الكريمين «فوزي وأسامة شبكشي».. ولذلك فإنني سأظل أطالبهما بالكشف عن مئات الوثائق.. المتصلة بحياة أبيهما الغنية.. لما تنطوي عليه من معلومات تهم كل حريص على معرفة مراحل تطور هذه الدولة وتقدم هذه البلاد.. وكيفية صناعة القرار فيها.. وطريقة نمو التفكير عند أبنائها.. وطبيعة مؤسسة الحكم القائمة على التقوى ومحبة الناس وصدق الإخلاص لهذا الوطن والعمل على تقدمه وتأمين سلامته.. وهو ما كان الأستاذ الشبكشي رحمه الله.. نموذجاً فيه.. وصورة مشرفة له. كما كنت أتمنى لو أن أستاذ الجيل (رحمه الله) هو الذي كتب هذا العمل في حياته.. ووثقه بطريقته التي جمعت بين عمق الفكر وبعد النظر وبين التدقيق في المعلومة والحرص على قول الحقيقة وإبرازها بكل موضوعية- كما كان يعلمنا- لو حدث هذا لكنا قد حصلنا على مرجع متكامل لتاريخ فترة هامة في حياة هذا البلد.. لكن معرفتي الشخصية بالأستاذ الراحل وحرصه على ألا يكتب عن نفسه لعفاف النفس.. وبعد عن الأضواء ولتواضعه الشديد.. وعدم ميله إلى حب الشهرة وإن كان قد نال منها نصيباً وافراً هو أقل ما يستحقه ، معرفتي هذه به هي التي أدت – في النهاية- إلى حرماننا من عمل ضخم وكبير.. وإن لم يخل كتاب «عبد المجيد علي شبكشي: رجل الأمن والصحافة والأدب» من بعض هذه القيمة وذلك الألق العلمي النادر.. بما تضمنه من إشارات خاطفة.. ونبيهة سيجد فيها القارئ متعة وفائدة عظيمة.. ويتذكر معها «رجلاً» علماً في مرحلة هامة من مراحل تطور هذه البلاد.. لما أسهم به هو أيضاً في مواقع المسؤولية المتعددة التي قدم فيها الكثير لهذا الوطن.. وصنع معها أجيالاً من الرجال الذين تركهم وراءه بعد أن وضع أقدامهم على الطريق الصحيح إلى المستقبل الأفضل وأنا واحد منهم.. لقد عشت الأيام الماضية مع هذا الرجل الكبير.. ومع وقفاته الإنسانية البليغة.. وفكره المتسم بالعمق وبالوضوح وبالرؤية الواقعية والموضوعية للأشياء..وكأنه يجلس أمامي.. بروح الأب والإنسان والمفكر والوطني الصادق والإنسان الأمين على ما أُنيط به من مهام ومسؤوليات.. وإن كنت قد تذكرت بهذه المناسبة شيئاً لابد وأن أقوله بعد سنوات طويلة من العشرة معه وقريباً منه يرحمه الله.. وذلك هو.. أن الرجل قد ظُلم كثيراً من مجتمعه.. وبالذات مجتمع الصفوة.. والأعلام.. لأنه صور في وقت من الأوقات على غير حقيقته.. ونسب إليه أنه إعلامي متحفظ.. في وقت كان هو غير ذلك تماماً.. ذلك أن هناك فارقاً كبيراً بين أن تكون إعلامياً أميناً على الرسالة .. وصادقاً في أداء المسؤولية .. وبين أن تكون متهوراً في أن تصدع بقول كلمة الحق.. والرجل كان من النوع الأول لأنه كان صاحب عقل راجح.. وصاحب خبرة وتبصُّر.. وصاحب دراية بالحياة وبالأجيال وبالتعامل مع المسؤوليات الجسيمة التي أُنيطت به.. سواء في القطاعات الأمنية .. أو الإعلامية أخيراً.. رحم الله أبا فوزي وأسامة.. وجعله من رواد الجنة.. ووفقنا باستمرار للدعاء له بالرحمة والمغفرة.. وشكراً لوفاء الابنين الكريمين لأبيهما الجليل.. فليس ذلك غريباً على من رضع من أبيه كل معاني الوفاء.. والنقاء.. والصفاء.. والنزاهة.. والحب لكل الناس.،، *** ضمير مستتر يظلمك الناس إذا لم يعطوك حقك.. ويظلمونك أكثر إن هم أساءوا فهمك أيضاً