وتذكّرت طفولتي في وسط المدينة ، كيف كان الناس ينامون بعد صلاة العِشاء ، بعشَاء أو (بلا عشَاء) .! كيف كنتُ وصحبي ، في النهار ، نذرع أزقة حارتنا التي يغسل قدميها البحر .. يستلقي على كيفه .. رأسه يتوسد مخدة فارهة في أقصى الشمال .. وقدماه تمتدان تحت اللحاف نحو الجنوب .! الخَبْت ، ببحر رماله ، لا تفصلنا عنه إلا رمية حجر .. كنا نهابه ونهاب البر .. نحترم قوانينهما الصارمة ، التي أرساها (الحبّيبة) من سنة ما حفروا البحر ، وأحياها من تبعهم في هذا الزمان .. وثّقها (صالح جلال) ، ولحنها (فوزي محسون) ، وأعلنها بصوته (طلال مداح) ، وكلهم رحلوا يا صاحبي : " يا ماشي الليل فين رايح تزل حارتنا بالعاني ، تراك (مقروع) بالموجب في هادي الحارة خلّاني " .! " سكتنا وإنت في زيادة .. ومالك عندنا عادة .. فلا تحاول وتتمادى .. وشوف لك درب غير هادا " .! **** أشياء .. تذكرنا بأشياء .. نحذف ونضيف .. نحلّق بأحلامنا .. وخيالنا .. لكن ، مهما ابتعدنا ، فإن أقدامنا تستحلي ملامسة بطحائها النظيفة ، وشاطئها الذي مع (وشوشاته) كان لا يفشي الأسرار يا صاحبي .! **** آخر السطور : " بحر العيون ، خذنا معاه مشوار .. موجه غدا بينا .. بحر العيون ، لا توهق البحار .. يبعد عن المينا .. ويا صاحبي ما في الهوى راحة " .!