عندما يهبط الظلام على بحيرة محاطة بغابات المانغروف، يضع المتنزهون بالزوارق مجاديفهم جانباً ويتطلعون نحو المياه الداكنة لرؤية أحد أسرار الطبيعة التي تتواجد في أماكن أخرى قليلة.وكل ماعليك أن تفعله هو أن تمرر يدك في الماء حتى تنطلي أصابعك بوهج أخضر أشبه بغبار مشع. وكثيرون ممن يأتون إلى هذا المكان يختارون القفز في الماء ليشاهدوا الإضاءة الإحيائية هذه تنساب من أيديهم وسواعدهم وهم يسبحون. ويقول المرشد السياحي مارك دونالدسون، الذي يمارس عمله في البحيرة منذ ثماني سنوات، أن التوهج الإحيائي هو في الحقيقة شائع جداً، ولكن ليس بالحدة التي نراها في هذه النظم البيئية الموجودة هنا. إن فسيفساء الضوء تحت الماء والمؤلفة من نقط صغيرة تشبه ذبابة النار، تنتج عن البلانكتون المجهري الذي يولد الضوء عن طريق تفاعل كيميائي إذا تعرض للإزعاج. وتقتات هذه العضويات الصغيرة التي تعرف باسم «Dinoflagellates» على الطحالب الزرقاء الخضراء التي تنمو بكثرة في المياه المالحة للجزيرة الحلقية، مما يجعل تركزاتها أكثر كثافة من مياه البحر العادية. ويصل الزوار إلى البحيرة المحصور بالزورق في رحلة تستغرق نصف ساعة من بلدة فاهاردو الشرقية عبر قناة ملتوية وسط غابات المانغروف. ومع غروب الشمس تبدأ الوطاويط بالتحليق فوق رؤوس القادمين. وعندما يصل الزوار إلى البركة في وسط الجزيرة الحلقية وتحرك المجاديف سطح الماء وتحدث الوهج تعلو صيحات التعجب من الزائرين... «واوو». ويقول البعض إن السباحة في ماء البركة هو أشبه بإطلاق زخات من الغبار الملون في كل بوصة في الجسم. وقال كارل وولف، المحامي القادم لأول مرة من لوس أنجيلوس: «كان الأمر أشبه بتوزيع خرزات مضيئة على كل شعره على ساعدك». وآخرون وصفوا الظاهرة بأنها «أثيرية، وشبحية ومسالمة». وعندما يكون الوهج الإحيائي على أشده بين شهري آب وتشرين الأول، يمكن مشاهدة الأسماك الريفية مثل سمكة الإبرة والأسماك المسطحة وهي منطلقة في الأعماق من السطح. وفي الأشهر الأخرى تحد برودة الماء من التوهج الإحيائي عامة، ولكنه يبقى مرئياً. والظاهرة تصبح ملفتة بشكل خاص مع طلوع هلال جديد، أو عند مغيب القمر وراء خط الأفق. ومع ذلك يكاد يكون مستحيلاً التقاط الصور الفوتوغرافيه بالنظر إلى أن الضوء خافت جداً. وتتفرد بورتوريكو بكونها تضم ثلاث جزر مضيئة إحيائياً. ويزعم مرشدون سياحيون في جزيرة فيكويز البعيدة أن موقعهم داخل خليج موسكينو ربما هو أكثر الأماكن لمعاناً على الكرة الأرضية. وثمة جزيرة حلقية أخرى في لابارغويرا شمال غربي بورتوريكو. وأقرب الجزر الحلقية إلى العاصمة سان خوان ومطارها الدولي هو «لاغونا غزاندي» في فاهاردو. ولقد بدأ الإقبال على السياحة إلى هذه المناطق يتزايد في السنوات الأخيرة، حيث يمكن مشاهدة عشرات الزوارق منطلقة في الليل عبر القناة المؤدية إلى البحيرة وأحياناً تتصادم الزوارق وهي آتية من الاتجاهين المتقابلين. ويتوقف المرشدون في الطريق لشرح أهمية أشجار المانغروف «كمشاتل» ترتع فيها الأسماك، وأحياناً يوجهون مصابيحهم الكهربائية نحو الأشجار لكشف سحالي الايغوانا الضخمة الرابضة على الأغصان. هذا موقع حساس جداً من الناحية البيئة، ولذلك يختار معظم المرشدين زيارته بزوارق التجذيف بدلاً من تلك المزودة بالمحركات. ومعظم أنواع الزوارق الأكبر حجماً ممنوعة من المجيء إلى اللاغون على كل حال، وأصحاب الزوارق الصغيرة يقولون إنهم يعرفون من خبرتهم أن الوقود المتسرب من المحركات يلحق الضرر بالبلانكتونات ويحد من التوهج. ويقول لويز منديز، الذي تربى وترعرع قرب الجزيرة الحلقية ويعمل مرشداً للجولات السياحية فيها إن التوهج يختلف بين ليلة وأخرى، وذلك حسب ضوء القمر وهطول الأمطار ومدة النهار، وكلها عوامل تؤثر في التوهج الإحيائي. ومع ذلك- يقول منديز- يبدي معظم الزوار عن سرورهم، وبعضهم يقولون إن الغطس في التوهج هو أعظم اختبار مروا به في حياتهم.